ما السر وراء تقديم “القهوة” في صوان العزاء؟!
أكمل النشار
هل تعلم أن شرب القهوة كان محرماً في منطقة الحجاز في مطلع القرن العاشر الهجري؟، وكانت تعد القهوة من المسكرات التي يترتب على شربها مفاسد كثيرة، لذلك كان يحكم على شاربها بالسجن والجلد، وكان يُطاف به على الناس في مكة ليكون عبرة لغيره ومن أصدر الفتوى في ذاك الوقت حرم الناس من شرب القهوة بلا سبب، وهو بذلك يكون قد حرّم الحلال وجعل المباح منكراً وعاقب الناس بناءً على هواه بلا دليل وبلا سبب مقنع وما أكثرهم في زمننا هذا، ولك أن تتخيل لو كانت هذه الفتوى يعمل بها في وقتنا الحالي لوجدت كل الشعب السعودي يطاف به في الأسواق ويجلد أمام أصحاب هذه الفتوى وأولهم أنا، فأنا مدمن لشرب القهوة لحد الثمالة.
وفي ذاكرة القھوة العربیة، لم تكن مباحة بعد أن اكتشفھا – كما تروي الكتب – أحد متصوفي الیمن علي بن عمر بن إبراھیم الشاذلي في العام 828 للھجرة، بالتقط قشرة البن لیسھر ذاكرا.
وبعد انتشارھا بین مریدیه من الطریقة الشاذلیة_ إحدى الطرق الصوفیة_ تدریجیا. وحالما وصلت «الشاذلیة»إلى مكة المكرمة تم تحریمھا حیث قیل بأنھا «خمرة مسكرة»، وواجھت حربا شرسة، ما استدعى الأمر إلى جلد بائعھا وطابخھا وشاربھا. وعلى إثر ھذا التحریم تعاطاھا الناس في أقبیة البیوت متخفین عن المحتسبین آنذاك.
وروي فیما مضى أنھ كانت ھنالك مقاه تبدو كالخمارات ویجتمع علیھا رجال ونساء مصحوبین
بالدف والرباب وغیر ذلك من الآلات الموسیقیة، ما قاد مجموعة من العلماء إلى تحریمھا، ویوزعون
.«العیون لاصطیاد المرتادین من محبي “القھوة الشاذلیة”.
وذكر «الكواكب السائرة» للنجم الغزي أنھ «اختلف العلماء في أوائل القرن العاشر في القھوة
وفي أمرھا، حتى ذھب إلى تحریمھا جماعة ترجح عندھم أنھا مضرة، وآخر من ذھب إلیھ
بالشام والد شیخنا الشیخ شھاب الدین العیثاوي، ومن الحنفیة القطب ابن سلطان، وبمصر الشیخ
أحمد بن أحمد بن عبدالحق السنباطي تبعا لأبیھ. والأكثرون ذھبوا إلى أنھا مباحة، وقد انعقد
.«الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك – أي على الإباحة.
وثمة أرجوزة للشاعر عمریطي المتوفى في العام 979 ھـ في تحریم القھوة یقول فیھا: الحمد
الذي قد حرما.. على العباد كل مسكر وما یضر في عقل ودین أو بدن.. وما یجر للفساد والمحن
اعلم بأن القھوة المشھورة.. كریھة شدیدة المرورة ویذكر البعض أنھا حرمت بسبب أن القھوة
اسم من أسماء الخمرة قدیما، ویرى البعض أن ما قصده عمریطي في أرجوزتھ ھي الخمرة
.ولیست القھوة التي یشربھا العرب في مجالسھم.
وقد حرمھا الشیخ الحنفي، والسید البلیدي، والشیخ الدمیاطي، والشیخ عمر الطحلاوي، وغیرھم
من شیوخ الدین. وتسبب ذلك في إغلاق المقاھي في مكة في العام 1511 ،وتم تحطیمھا أیضا
.في القاھرة في العام 1534 ،ثم انتھى المطاف بفتوى جوازھا من علماء الأزهر.
وفي نهاية عام 1572 صدرت فتوي بالقاهرة تقضي بمنع المنكرات والمسكرات والمحرمات، وبغلق أبواب الحانات والخانات، ومنع استعمال القهوة والتجاهر بشربها، وهدم كوانينها وكسر أوانيها ، ولتنفيذ هذا الحكم كما يصف الجزيري: “كان العسس على الفحص وبيوتها وباعتها شديدًا جدًّا، وضربوا وأشهروا وهدموا البيوت وكسروا أوانيها المحترمة الطاهرة التي هي مال لرجل مسلم “.
فأرسل تجار البذور والبن و منتجي القهوه و البائعين وفدا الي الشيخ احمد السنباطي يطلبوا الرجوع عن الفتوة ، فكان رده : ما دام القهوه تؤثر في العقل ايجابا او سلبا فهي حرام !.
فقامت معركه حامية الوطيس بين مؤيدي الشيخ و فتواه و بين التجار و مؤيديهم من البائعين ، و يموت احد مؤيدي التجار ، فهرب الشيخ ومؤيدوه الي مسجد ، حاصر التجار المسجد من كل جانب ،وجائهم خبر وفاة شاب اخر منهم وخبر اخر يؤكد ان هناك شاب في حالة خطرة ، الى ان علموا بموته فكانت صدمة كبيرة عليهم ، و من ثم قرر التجار الاستمرار في محاصرة الشيخ ومؤيدي فتوي القهوة حرام شرعا في مسجدهم ، اشتركت اهالي القتلى في الحصار وبقدوم الليل ارسلوا احدهم لاحضار بطاطين و عمل صوان باعمده لتقيهم البرد و نكاية في مؤيدي الفتوه قام التجار و وزعوا مشروب ساخن ، كان قهوة سادة بدون سكر !.
استمر الحصار ثلاثة ايام مع استمرار حالة الفوضي و الشغب حتي وصل امر الاضطرابات الى السلطان العثماني مراد والذي قام بتعيين مفتي جديد والذي استصدر فتوى جديدة بعدم حرمة شرب القهوة . اعتبر التجار ومؤيدي شرعية شرب القهوه ان هذا التغيير انتصار لهم ولأرواح شهداء القهوة ،و سمي مشروب البن بالقهوه التركي ، ربما لان من افتى بجوازها مفتي السلطان العثماني .
و هكذا أصبحت القهوة من حادث جلل الى عادة عند اهالي تجار البن في القاهرة ثم الي كبار الاعيان ثم الي اقاليم مصر ، فكان و لا يزال أي ميت يقام له صوان ، يقدم للمعزيين القهوة الساده !