هل النقاب فرض
هل النقاب فرض
لباس المرأة في الإسلام
شرع الله تعالى من الأحكام والقواعد والمبادئ العامَّة والخاصَّة ما ينظم حياة النَّاس بشؤونها ومجالاتها المختلفة؛ من عباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاقيَّاتٍ وسلوكيَّاتٍ وآداب، وجاءت النُّصوص الشَّرعيَّة مبيِّنةً لهذه الأحكام والقواعد وموضِّحةً لها، فمنها ما جاء للمسلمين كافَّةً (أي الرِّجال والنِّساء على السَّواء)؛ كالتَّكليف بالعبادات وما كان متعلقاً بالحقوق، وترتيب الثواب والعقاب، فَهُم في ذلك متساوون كما جاء في قول النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام: (…إنَّما النساء شقائق الرجال)، كما أنَّ الجزاء على الأعمال متماثلٌ، ومن ذلك ما جاء في شواهد كثيرة من القرآن الكريم، منها قول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، ومن الأحكام والقواعد ما جاء متعلِّقاً بالنِّساء وخاصَّاً بأمورهنَّ، كأحكام الزِّينة واللِّباس ونحوها، وتالياً حديث عن جزئيةٍ متعلقةٍ بلباس المرأة في الإسلام وهو النِّقاب، وبيانٌ لتعريفه وحكمه، وتوضيحٌ لبعض الأمور المتَّصلة بالحجاب، ومواصفات لباس المرأة، وشروطه التي حدَّدها الإسلام.
النقاب وحكمه
تعريف النِّقاب
النِّقاب في اللغة من الجذر اللغوي نقب، النون والقاف والباء أصلٌ صحيحٌ دالٌّ على فتح الشيء ومنه نقب الحائط؛ أي فتحه، ونقاب المرأة شاذٌّ عن هذا الأصل كما قال ابن فارس، والنِّقاب: القناع على مارن الأنف، والجمع منه نُقُب، ويقال: تنقَّبت المرأة وانتقبت. إنّ معنى النِّقاب في الاصطلاح الشَّرعي لا يبتعد عمَّا ذكره أهل اللغة في معاجمهم، فهو ما تضعه المرأة من القماش على الوجه لستره، وتتَّصل به ألفاظٌ قد يُظنُّ أنَّها ذاتها النِّقاب، وفي الحقيقة هي تختلف عنه وإن كانت تشترك معه في كونها ممَّا عُرف لباساً للمرأة، ومنها الخمار: وأصله في اللغة السَّتر، وهو ما تغطّي به المرأة رأسها، ومنه قول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ )، والحجاب: وهو في اللغة السَّتر كذلك، ويراد به ما يستر جميع ما في المرأة عن غير محارمها من الرِّجال، ومنها البرقع: وهو ما كان ساتراً لوجه المرأة؛ لكنّه يختلف عن النِّقاب في وجود خرقٍ للعينين فيه.
حكم النِّقاب
اختلف علماء الفقه في حكم النِّقاب، فمنهم من ذهب إلى القول بوجوبه، ومنهم من ذهب إلى أنَّه سنَّة، وهناك من فصَّل وفرَّق، فذهب إلى القول بأنَّه واجبٌ للشَّابات من النِّساء في حال الفتنة وعدم أمنها، وخلاف هذا الحال فلا يكون واجباً، ولعلَّ مَردَّ اختلاف الفقهاء في حكم النِّقاب راجعٌ إلى تحديد عورة المرأة، فمن الفقهاء من عدَّ وجه المرأة وكفَّيها عورةً كسائر جسدها، وبالتالي يجب تغطيتهما وسترهما، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ عورة المرأة كلُّ جسدها في ما عدا الوجه والكفَّين؛ أي أنَّ الوجه والكفَّين ليسا عورةً ويجوز كشفهما، وعلى هذا يمكن تلخيص مذهب العلماء في حكم النِّقاب على النحو الآتي:
- قول جمهور العلماء من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة في رواية أنَّ الوجه والكفين ليسا عورة فيجوز كشفهما، واشترطوا للفتاة الشَّابَّة أَمْن الفتنة، وهو قول عددٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو قول سعيد بن جبير وعطاء والأوزاعي من التَّابعين، وهو رأي شريحة من العلماء المعاصرين، وفسَّروا قول الله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ) بأنَّ الظاهر من الزينة المسموح به الوجه والكفين، وابن عباس قال: الخاتم والكحل؛ مما يوحي ويدلِّل على جواز كشف الوجه والكفين.
- قولٌ الإمام أحمد بن حنبل وعبد الله بن مسعودٍ من الصحابة -رضي الله عنهم- وبعض المعاصرين من العلماء أنَّ الوجه والكفّين عورة، فيكون عند أصحاب هذا القول أن النِّقابَ واجب في حقِّ المرأة.
النِّقاب في الإحرام والصَّلاة
ذهب الفقهاء إلى القول بحرمة لبس المرأة للنِّقاب وهي محرمةٌ للحجِّ أو العمرة، واستدلوا على ذلك بما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النَّبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- أنَّه قال: (المُحْرِمَةُ لا تَنتقِبُ، ولا تلبَسُ القُفَّازَيْنِ)، أمَّا عن لبس النِّقاب في الصَّلاة، فقد أجمع جمهور الفقهاء على كراهة لبس المرأة له في الصَّلاة، وذهب الحنفيَّة إلى القول بأنَّه مكروهٌ كراهةً تحريميَّةً، وعلَّلوا ذلك بأنَّ في صلاة المرأة مغطِّيةً لوجهها تشبُّهٌ بالمجوس في طقوس عبادتهم للنَّار، والحنابلة على القول بالكراهة كذلك؛ إلّا إن استدعت حاجة؛ كدخول رجالٍ أجانب أثناء صلاتها، فلا يُكره للمرأة وضع النِّقاب في هذه الحالة.
حجاب المرأة المسلمة
اشترط العلماء للحجاب السَّاتر لعورة المرأة -بصرف النَّظر عن الخلاف السَّابق الذِكر في كون الوجه والكفين من العورة- شروطاً عديدة، واستنبطوا ضوابطه من الأدلة الشَّرعية التي جاءت تتناول موضوع الحجاب ومواصفاته، ومن هذه الشروط والضَّوابط:
- أن يكون ساتراً لجميع البدن مستوعباً له إلا ما استُثني.
- ألّا يكون زينةً في ذاته.
- ألا يكون ضيِّقاً يصف الجسد، بل لا بدَّ أن يكون فضفاضاً.
- ألا يكون شفافاً يُظهِر ما تحته من الجسد.
- ألا يكون فيه تشبُّهٌ بلباس الرِّجال؛ للنهي الوارد من النَّبيّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- عن مثل هذا التَّشبه، كما روى عنه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لعنَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ المتشبِّهاتِ بالرِّجالِ منَ النِّساءِ والمتشبِّهينَ بالنِّساءِ منَ الرِّجالِ).
- ألا يكون فيه تشبُّه بلباس الكافرات.
- ألا يكون في ذاته لباس شهرةٍ؛ أي لباساً تتميَّز به المرأة عن سواها من نساء بلدها أو منطقتها بلباسهم الذي يوافق أحكام الشريعة الإسلامية.