أكمل النشار يكتب .. قررت أن أكون بحرا !
الوحيد الذي لن يخدعك مظهره …
كل ما فيه لو أمعنت النظر لرأيت له دلالة …
فقط عليك التأمل !
وقفت على الشاطيء .. أترقبه من مسافة قريبة …
لكنه لا يحب المسافات .. وإن كان هو سيدها !
غازل ساقي مداعبا ، وكأنه يدعوني لبدء حديثاً معه
كنت قد مللت صخب المدينة وضجيجها …
كرهت الأصوات ، كل الأصوات ، حتى صوتي .. !
لذت إليه ناشدا هدوءاً وسكينة
لذلك تجاهلت مداعبته ومحاولاته المريرة للحديث ، مكتفي بابتسامة مقتضبة .
كم هو واسع ! مذهل هذا الاتساع !
كائن هو على مد البصر ..
لا تجد له أولا ولا آخر ..
تشعر وأن منبعه السماء وأنه ينتهي إليها ،
يمتلك الكون بأسره …
بل تشعر وكأنه حقيقة الوجود ….
كأنه روحاً لم يشأ الله أن يسجنها في جسد !
وهبها الحرية دونا عن كل الأرواح
فلا يقيدها قيد …
فمتى ما ناداها القمر استجابت بمدها ، فلا يحدد منتهاها سواها
ومتى ما أرادت الخلو بنفسها ، إذا بالجزر هو سبيلها ..
يا الله !
ما أجمله !
حتى في حركته سكون يسكنك !
ياليتني كنت بحراً ….
كل هذا الفضاء ملكي …
وهذه السماء أمي …
أحكي لها وتحكي لي …
تمطرني عشقاً ،
وترسل عليّ من دفء شمسها
وتغني لي على ضوء قمرها ،
لو أن لروحي هذا البراح …
لو أنها لم تكن مقيدة في هذا الجسد السقيم !
لما ذاقت الهم والضيق يوماً ..
ولكن ..
هاهو يعلن عن غضبه تجاهي …
موجات متلاحقة مندفعة في وجهي ..
ربما أراد أن يبعدنى ….
لكنّه في الحقيقة يقتحمني …..
أشعر وأن روحانا قد التحمت …
وأننا نتوحد !
وأنني أصير بحراً …..
أهيم في هذا الفضاء وحدي ….
إنني أرى الكون أعمق مما هو عليه …
أرى دواخله ..
وأرى ذاك الجسد …
إنه سجاني !
مُمددا على ضفافي …..
خاليا من المعالم والملامح ..
كأنه الصخر الذي بجانبه ..
لو رآهما غيري لما فرّق بينهما !
هل هو هكذا الجسد بدون روح ؟!
هل هكذا يكون السجن بدون سجين ؟!
إنه يسجننا ليكون هو شيئاً !
أحاول أن أتمتع بهذا الفضاء ،
ولكن صورة الجثة على الشاطيء تؤرقني !
ولكن ..
ليكن ما يكن
لتكن جثة أو تكن صخرا ….
لقد قررت أن أكون بحراً …..!