اهتمام الطولونيين بالمصريين اجتماعيا وصحيا
كتبت: مروه خاطر
كان أحمد ابن طولون يطمح في بداية ولايته لمصر إلى الإرتقاء بأوضاعها، ونفقة أموالها ومواردها في المقام الأول بما يعود بالنفع على أبنائها.
اعتنى ابن طولون بالمصريين عناية تفوق الوصف، فكانت صدقاته مضرب الأمثال، وكان ذلك في سبيل إرضاء المصريين.
فقد اهتم بالضعفاء والمساكين وحدد لهم راتبا شهريا قدر بألفي دينار، كما اهتم بأهالي المساجد، وجعل لهم ألف دينار شهريا، وكان له عامل خصصه للصدقات.
ولم يكتف بذلك بل أقبل على أنواع فعل الخير فكان له في كل يوم مائدة يحضرها الخاصة والعامة من أبناء الشعب، وكان ينادى عليها يوميا “من أحب أن يحضر طعام الأمير فليحضره” وكان ابن طولون يجلس في مكان يمكنه رؤية الداخل والخارج، فينظر وجوه الناس ويتأمل فرحهم بما أعده لهم.
كان ابن طولون شديد التطلع لراحة المصريين لذلك اهتم بإيصال مياه النيل لهم، فبنى عين الماء في الصحراء بظاهر القطائع وقد أوصل مياه النيل لهذه العين عن طريق قناطر معلقة، كانت عين الماء التي أنشأها مشروع عظيم بكل المقاييس قام على خدمة أبناء تلك المنطقة والواردين إليها والمارين بها، وقد بلغت جملة الأموال التي أنفقها ابن طولون على هذه العين أربعين ألف دينار.
كان لهذا المشروع أثره في انتشار العمران في هذه المنطقة، وازداد إقبال المصريين على بناء الدور والمساكن بالقرب من هذه العين، بعد أن كانت خالية من السكان بسبب قلة المياة، فكان مشروع ابن طولون اجتماعيا عمرانيا ناجحا بكل المقاييس.
اهتم ابن طولون ايضا بإنشاء البيمارستان سنة 259ه لعلاج المرضى وجعله على درجة من النظام والإدارة، ما يجعلنا نراه يرقى إلى مستشفيات العصر الحديث الراقية، وذلك منذ اللحظات الأولى لدخول المريض إلى البيمارستان، فكان إذا دخل تنزع عنه ثيابه وتودع مع ما معه من أموال لدى أمين البيمارستان، ثم تقدم للمريض ثياب أخرى.
وكان يتم إنزال المريض في أماكن تتوفر فيها سبل الراحة، ويؤخذ في علاج ذلك المريض بالأدوية المناسبة واللازمه لمرضه حتى يتم شفاؤه، وإذا ما عوفي المريض ونقه من مرضه أذن له في مغادرة البيمارستان، وكانت هذه الخدمات تقدم بالمجان، قاصرة على المصريين فقط وشرط ألا يعالج فيه الجنود والمماليك وهو ما يرجح وجود أماكن مخصصة لهم.
أضاف ابن طولون لهذا البيمارستان جناحا خاصا للمصابين بالأمراض العقلية، وقد رتب لهم أناسا مخصصون يلازمونهم سواء من الرجال أو النساء، وكذا جعل لهم أناس يرتلون عليهم آيات القرآن.
ولم يكن اهتمامه قاصرا على البيمارستان فقط وإنما امتدت إلى خارجه حيث أضاف خزانة للأدوية والعقاقير في مؤخرة جامعه وعين طبيبا ومعاونين ومهمتهم الجلوس بالمسجد في كل يوم جمعه لمعالجة أي حادث قد يقع للمصلين.