اشر صورة قديمة للتكافل الاجتماعي في الريف الباكستاني
علي زمان هلال / كاتب وصحفي باكستاني
هناك طقوس وعادات لطالما لعبت دورا حيويا وأساسيا في المساهمة في الأعمال الزراعية والتعميرية، فلها حصة ومكانة من زمان غابر.
من ابرز هذه العادات والطقوس التي شهدت في الماضي حضورا شعبيا قويا في حياة القرويين في اقليم خيبرباختونخوا شمال غربي باكستان، “الاشر” .
فآشر هو مصطلح محلي يعني مساهمة عدد كبير من الجيران لمساعدة جار او قريب في قطع العشب وحصاد سنابل القمح والارز والذرة، هي مشاركة الزامية لشخص واحد على الاقل من كل بيت في القرية.
يعتبر #اشر من أبرز المبادرات الإجتماعية والتي تتعلق باغاثة الآخر ومساعدة الجار ولاسيما إذا كانت العائلة تعاني من شح وقلة عدد الرجال والأيدي العاملة .
مع بداية سبتمبر تشعل افران صهر الحدید في مختلف قرى المناطق الجبلية البعيدة للاقليم، وتستهلك هذه الافران فحماً يتم صنعه بحرق كميات كبيرة من حطب أشجارغابات تلك المناطق.
تعتبر هذه الافران القديمة التي توارثتها الاجيال منذ قرون الوسيلة الوحيدة لصنع المناجل والفؤوس وغيرها من الأدوات الحديدية، والتي تشكل ضرورة ملحة لقطع الحطب وحصاد المحاصيل والعشب.
من اھم ادوات تلک الغرفة الفرن، السندان والمطرقة، أما الحدّاد والذی یدعی محلیاً #انغر
فهو لا یغیب من الأشعار البشتونیة القرویة کشعر:
لیت منجلک ینکسر فی الاشر یا حبیبی —- لیجمعنا الحظ فی دکان انغر
وھذا نظرا لکون ایام حصاد العشب حافلة بمشاغل ھائلة.
تعتبر عملية حصاد العشب الطبيعي في اقليم خيبرباختونخواه، من اکثر الطقوس اھتمامًا وأبرزھا مکانة لدى السكان القرويين المحليين، لأنها توفر غذاء اساسيا يطعمه القرويون لمواشيهم خلال موسمي الخريف الجاف والشتاء القارس، حيث تنعدم الكلاء(الأعشاب) من الوديان و تغيب الخضرة عن السهول .
لذلك تحمل عملية قطع العشب عبقا مميزا ونكهة لا يشعر بها الا من سبق له العلاقة بھا وشهدها وشارک فیھا .
تبدا عملية قطع العشب الطبيعي في سبتمبر فيجتمع كلّ رجال وشبان القرية في أرض مخصصة لجار او قريب يكون قد طلب منهم المساعدة قبل ايام .
يحمل كل واحد منهم منجله الخاص لابساً اواعي (ملابس) بالية، وعقب احتساء الشاي بالحليب ینزلون الی ارض ملیئة بالعشب الأخضر لیبدؤوا قطعھا وجعلھا کومات صغیرة الحجم تترك مكانها لتقوم حرارة الشمس بتجفیفھا.
علی المضیف القیام بجمیع ما یلزم لإکرام المساعدین، منھا تقديم المشروبات والماء البارد وإعداد الطعام الشھی والشائي (شاي مع حليب).
من أبرز ما يتم تجهيزه من الوجبات بمناسبة الاشر”الشائی الصباحی” او کما یصفونہ شائی العاشرة ، حيث يتم تقديمه فی الساعة العاشرة صباحا بالاضافة الی خبز مسمن یدعی محلیا “براتھا”.
تتواصل عملیة الحصاد حتی الساعة الواحدة ظھرا ثم تكون استراحة لصلاۃ الظھر والغداء، الذی غالبا ما یتکون من ارز ابیض مع السمن المحلی والعسل والحلیب الطازج واللبن الزبادی والزبدة والسلطات والخضار، وتلك المكونات تحمل اثرا سحريا تجعل جميع رجال القرية يهرعون للعمل قاطبة.
كذلك فانه مما ضاعف من جاذبية الاشر إحضار المغنيين و عازفي الطبل والناي البشتوني ليرافقوا عملية الحصاد، لتنتشر أصواتها في الوديان والغابات.
بعد صلاة الظهر يعود المساعدون “اشرغندي” كما يسمون باللغة المحلية، ليستأنفوا عملية الحصاد حتى قبيل المغرب حيث يقدم لهم طعام العشاء، حيث يحرص صاحب البيت او المضيف اكرام المساعدين بألذ انواع الطعام والاطباق الشهية والتي غالباً ما تتكون من الدجاج وخبز القمح المخبوز في الافران، بالإضافة الي كمية كبيرة من السمن المحلي الخالص والذي يشتري خصيصا لهذا الطقس الشعبي.
ورغم تحاشي المساعدين عن اكل الكثير، يصر المضيف على تناولهم لكمية أكبر، مُشيدا بدور لعبوه وجهد بذلوه ومساعدتهم طول النهار في قطع العشب تحت الشمس الحارقة.
الي جانب كونه رمزا للتكافل الاجتماعي والتضامن والمساعدة، يترك الاشر الكثير من الذكريات الجميلة التي اصبحت تشرف على الاندثار، بسبب توجه الشباب للعمل خارج باكستان لكسب المال، وللهروب من عمل شاق ومرهق، فكانت النتيجة إهمالا للمزارع والمزروعات، ونتيجة لهذا التوجه صار الاشر يندثر لعدم تواجد شباب ورجال يعرفون قطع العشب والحصاد، ولكن هناك بعض القرى لا تزال متشبثة بهذا العمل الاجتماعي الذي لطالما خدم المجتمع و ساهم في تسهيل المصاعب وتبديد ضغوط العمل في موسم الحصاد.
اندثار الاشر ترك مردودا سلبيا على مجموعة كان هذا الموسم مصدر رزقهم كالمغنين وعازفي الطبل الى جانب توفير فرصة عمل للحداد والنجار، كذلك تأثر وتراجع الشعر البشتوني ليغير من شكله ولونه الاصيل الذي كان يتضمن تمجيد عمل الفلاحة محرضا الشباب علي الاهتمام بالقوة الجسدية.