ثورة الشك ذكريات من زمن فات
بقلم: جمال حامد
بعض الذكريات تترك أثرها في النفس ولم تغب عن خاطر الإنسان مهما بعدت به المسافات أو طعن به العمر وهذا ما حدث ذات ليلة كنت أسترجع شريط ذكرياتي إذا برسالة تصلني من الأخ الحبيب المهندس مجدي الشيخ علي بها رسالة تتضمن قصيدة ثورة الشك للسيدة أم كلثوم رحمة الله عليها والمهندس مجدي الشيخ علي لمن لا يعرف إبن من أبناء مصر الأوفياء من قرية حفنا مركز بلبيس شرقية أحد المهندسين المصريين المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والدراية وقد أرسلته الحكومة المصرية ضمن الوفد القائم حاليا ببناء سد تنزنيا نسأل الله له التوفيق هو ومن معه لرفعة شان مصر خفاقة في السماء جاءت إلى الرسالة وقد فرحت بها جدا لأنها تمثل لي ذكريات جميلة وخالدة من العمر مهما كانت نتائج هذه الذكريات سلبية كانت أم إيجابية وكتب أخي المهندس مجدي تحت الأغنية عبارة أثرت جداً في وجداني وأكدت على تبادل مشاعرنا رُغم البعد ( كتب يقول كأنيٍ أسمع صوتك وأنت تلقي هذه القصيدة بينما كنا نتمشى على الطريق بين أرباض قريتنا وغيطانها .
هذه القصيدة جعلتني أعود إلى الوراء قليلاً لأقف وقفة متأنية عند شاعرها صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل كاتب هذه القصيدة التي شدت بها أم كلثوم وتغنى بها وطننا العربي من المحيط إلى الخليج ويحكي لنا الأمير عبد الله الفيصل في إحدى حوارته التليفزيونية عن لقائه الأول بسيدة الغناء العربي أم كلثوم عام 1946م حينما كان بالقاهرة وكانت هناك حفلة تنظمها المرأة الجديدة لسيدة الغناء العربي أم كلثوم فبحث عن تذكرة لكي يدخل الحفل فلم يستطع فاتصل بالسيدة أم كلثوم وأخبرها انه إبن صديقها وعرفها بنفسه فرحبت به ام كلثوم وطلب منها بأدب الأمراء أنه يريد حضور الحفل ولم يستطع الحصول على مقعد فقالت له ام كلثوم كم مقعه تريد قال لها 6 أفراد فحجزت أم كلثوم لسموه الطاولة المخصصة له ولرفاقه .
وجاء يوم دخول الحفل منع الأمير عبد الله الفيصل من الدخول لأنه كان لا يرتدي البدلة الاسموكن هكذا كان التقليد في حفلات أم كلثوم فرجع لمسكنه ولبس بدلته وعاد للحفل وتصادف حضور الملك فاروق الحفل فسلم عليه الأمير وخرج حتى لايسبب للملك احراجا وقابلته ام كلثوم فجلست مع الأمير على الطاولة وهنا بدأت معرفة أم كلثوم بصاحب قصيدة ثورة الشك عن قرب فقدم قصيدته الأولى لها من أجل عينيك عشقت الهوى وثورة الشك .
ويري الأمير انه رأي أن يقوم بتلحين قصائده الملحن الكبير الأستاذ رياض السنباطي فهو من وجهة نظره أهم وأكبر ملحن يمكنه أن يتناغم لحنه مع إيقاع كلماته .
والأستاذ الكبير رياض السنباطي لمن لا يعرف هورياض محمد السنباطي أبرز وأهم الموسيقيين العرب بلغ عدد مؤلفاته الغنائية 539لحنا ولد في 30 نوفمبر 1906م ورخحل عن عالمنا في 10 ديسمبر 1981م .
ويحكي رياض السنباطي في ذكرياته أنه والده كان شيخاً ينشد في الموالد في محافظة المنصورة مثل الشيخ إبراهيم البلتاجي والد أم كلثوم ويروي رياض أنه في إحدى الليالي كان ينشد في البيت فسمعه والده فأحب صوته وطلب منه أن يساعده في الإنشاد ومن هنا انطلقت رحلة السنباطي مع الغناء ويروي الملحن الكبير رياض السنباطي انه عشق التلحين بعد ان ارتحل الى القاهرة ورأى نفسه كملحن وليس كمطرب ويضيف السنباطي رحمه الله انه في إحدى الأيام تقابل مع السيدة أم كلثوم على محطة القطار وكأنه كان على موعد مع النجاح والشهرة فطلبت منه أن يزورها في بيتها فلم يتوان لحظة عن الموعد وذهب إلى بيت أم كلثوم وكانت في انتظاره فأعطت له ورقه مكتوب عليها قصيدة شعر لأحمد شوقي وقالت له هل يمكن تلحين هذه القصيدة فجاوب على الفور بكل سرور وكانت قصيدة
حمامة الأيك من بالشدو صارحها ومن وراء الدجى بالدمع ناجاها
ويرى السنباطي ان أم كلثوم كانت قارئة ممتازة مخلصة للغناء بدرجة كبيرة ثم بعد ذلك كانت سلسلة التعاون بين العملاقين والذي أثمر عن الكثير من روائع الغناء العربي الذي شدت به أم كلثوم .
رسالة جميلة من أخي الحبيب المهندس مجدي الشيخ علي أعادت الى ذكريات جميلة لماض جميل مازالت رؤاه في وجداننا
انها ذكريات من زمن فات.