الإعلام الإسرائيلي وحرب غزة: 4 محاور تكشف تناقضات نتنياهو ومستقبل المفاوضات

الإعلام الإسرائيلي وحرب غزة: 4 محاور تكشف تناقضات نتنياهو ومستقبل المفاوضات
الإعلام الإسرائيلي يعيش حالة من التناقض الحاد، حيث تتصادم الروايات الرسمية حول التقدم في المفاوضات مع حقيقة استمرار العمليات العسكرية على الأرض. فبينما يتم الحديث عن عودة محتملة للوفد المفاوض إلى الدوحة، يزداد القلق من أن تكون هذه التحركات مجرد تلاعب من نتنياهو لامتصاص غضب أهالي المحتجزين. هذه الازدواجية بين “الثرثرة” الدبلوماسية و”التقدم بالجريمة” على أرض الواقع تشكل جوهر التغطية الإعلامية التي تحاول فك شفرة نوايا الحكومة الإسرائيلية الحقيقية في ظل حرب طويلة ومعقدة. يمكنك متابعة آخر أخبار فلسطين لمعرفة كل جديد.
مفاوضات الأسرى: بين الأمل الحذر وتكتيكات نتنياهو
تتصدر قضية صفقة الأسرى واجهة الأحداث، حيث يتزايد الحديث عن عودة المفاوضات، لكن الشكوك تحوم حول جدية هذه المساعي. التحليلات الإسرائيلية، مثلما ورد على لسان الباحث وائل عواد، تخشى أن يكون هذا الحراك مجرد “تلاعب من نتنياهو بأهالي المحتجزين وبالعالم”، خاصة مع تصريحات ترامب الأخيرة التي أثارت الرعب في قلوبهم بعد أن أشار إلى أن عدد المحتجزين الأحياء قد يكون أقل من 20 شخصًا.
ويزداد المشهد تعقيدًا مع دعوات أهالي المحتجزين المباشرة لنتنياهو، حيث قال أحدهم: “أرسل ابنك لغزة، وأطلق سراح ابني!”. هذا يعكس فقدان الثقة في نوايا رئيس الوزراء، الذي يتهمه أهالي الأسرى بإفشال الصفقة عمدًا، مما يضع ضغطًا إضافيًا على حكومته المنقسمة أصلًا.
مظاهرة لأهالي المحتجزين في تل أبيب للمطالبة بإعادة أبنائهم.
صراع الأولويات: “النصر المطلق” أم عودة المحتجزين؟
يكشف الإعلام الإسرائيلي عن شرخ عميق داخل مجلس الحرب الإسرائيلي حول تعريف “النصر” وأولويات المرحلة الحالية. فبينما يصر نتنياهو، تحت ضغط شركائه في اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش، على أن “النصر المطلق” وتدمير حماس هما الهدف الأسمى الذي لا يجب التنازل عنه، يميل المستوى العسكري والأمني، ممثلاً في رئيس الأركان والمؤسسة الأمنية، إلى تبني موقف أكثر براغماتية. هؤلاء يرون أن إعادة المحتجزين يجب أن تكون الأولوية القصوى، حتى لو تطلب ذلك تقديم تنازلات كبيرة في صفقة قد لا تحقق كل الأهداف العسكرية المعلنة. هذا الصراع في الأولويات يضع نتنياهو في مأزق سياسي حقيقي، حيث يخشى من أن أي صفقة قد يعتبرها اليمين المتطرف “استسلامًا” وتؤدي إلى انهيار حكومته، مما يدفعه إلى المماطلة وإدارة الأزمة بدلًا من حلها.
معاداة السامية: سلاح نتنياهو لحشد الدعم وتبرير الحرب
في مواجهة الضغوط الدولية والاعترافات المتزايدة بالدولة الفلسطينية، يلجأ نتنياهو بشكل متكرر إلى استخدام ورقة “معاداة السامية”. فبدلًا من التعامل مع الانتقادات السياسية، يهاجم قادة الدول الأوروبية ويتهمهم باللاسامية، واصفًا أي احتجاج ضد سياساته بأنه معادٍ للسامية. هذا التكتيك لا يهدف فقط إلى صد الانتقادات، بل يعمل كأداة لحشد الدعم الداخلي والخارجي.
وتشير كاتبة في صحيفة “هآرتس” إلى أن نتنياهو “لا يريد كبح اندلاع معاداة السامية، بل يريد تأجيجها”. فالشعور بالخوف والاضطهاد لدى يهود العالم يضمن بقاءهم مرتبطين بإسرائيل وبشخصه كـ”حامٍ” لهم، مما يحول “معاداة السامية” من قضية حقيقية إلى “حليف وفي” و”سلاح” في يد نتنياهو. يمكنك الاطلاع على تقارير حول هذا الموضوع عبر موقع صحيفة هآرتس.
نتنياهو يهاجم منتقدي سياساته ويتهمهم بمعاداة السامية.
بيني غانتس والمعارضة: دعوات لوحدة وطنية أم مناورات سياسية؟
في خضم الأزمة، يبرز صوت بيني غانتس، الذي خرج من حكومة الحرب، ليدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة. يطرح غانتس هذه المبادرة بهدفين رئيسيين: إعادة الأسرى، وحل أزمة قانون التجنيد التي تثير انقسامًا حادًا في المجتمع الإسرائيلي. ويوجه دعوته إلى نتنياهو للتخلص من تأثير المتطرفين مثل بن غفير وسموتريتش، والذهاب إلى انتخابات مبكرة.
ومع ذلك، يرى المحللون أن هذه الدعوة قد تكون بداية لحملته الانتخابية أكثر من كونها مبادرة حقيقية. فهو يدرك أن نتنياهو لن يتخلى عن حلفائه في اليمين المتطرف، لكنه يستخدم هذا الخطاب ليظهر كشخصية “موحدة ومسؤولة” قادرة على قيادة إسرائيل وتوحيدها في مرحلة ما بعد الحرب.
المجاعة في غزة: إنكار رسمي وتوثيق دولي لـ “فرية الدم”
رغم التقارير الدولية الموثقة من الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة التي تؤكد وجود “مجاعة من صنع الإنسان” في غزة، تصر إسرائيل على نفي ذلك بشكل قاطع. وقد وصف نتنياهو هذه الاتهامات بأنها “فرية دم”، وهو مصطلح تاريخي يُستخدم لوصف الاتهامات الكاذبة الموجهة لليهود. تدعي إسرائيل أنها تدخل سعرات حرارية (كالوريات) كافية، وأن المشكلة تكمن في سرقة حماس للمساعدات.
لكن هذا الموقف الرسمي يتناقض مع الصور والمشاهد القادمة من غزة، ومع حقيقة استشهاد المئات، بينهم أكثر من 100 طفل، بسبب التجويع. ويثير الإعلام الإسرائيلي نفسه تساؤلات حول هذا التناقض، متسائلاً: إذا كانت إسرائيل تعرف أماكن “لصوص المساعدات”، فلماذا لا تستهدفهم مباشرة بدلًا من السماح باستمرار الكارثة الإنسانية؟ هذا التساؤل يكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والاستراتيجية التي تواجهها إسرائيل.