
حُكم القمة المصرية: أزمة ثقة في الحكم المحلي أم عقدة الأجنبي؟
التحكيم في مباريات القمة بين الأهلي والزمالك يظل القضية الأكثر جدلاً في الكرة المصرية، فمع كل مواجهة مرتقبة، يعود السؤال الأزلي إلى الواجهة: هل الأفضل إسناد المباراة لحكم مصري أم الاستعانة بحكم أجنبي؟ هذا السؤال لا يقتصر على نقاش فني، بل يمتد ليكشف عن أزمة ثقة عميقة بين الأندية والمنظومة التحكيمية، وعن مواقف متباينة تثير الجدل وتكشف عن مبادئ واستراتيجيات كل طرف. فهل المطالبة بالحكم الأجنبي هي الحل الأمثل لضمان العدالة، أم أنها مجرد شماعة تعلق عليها الأندية أخطاءها وتزيد من حدة الاحتقان؟ يمكنك متابعة آخر أخبار الكرة المصرية لمعرفة كل جديد.
أزمة الثقة: “لا يوجد حكم مصري يمكن الاتفاق عليه”
يرى قطاع عريض من المحللين والجمهور أن جوهر المشكلة يكمن في انعدام الثقة المتبادلة. فكما أشار الناقد الرياضي شادي عيسى: “مفيش حكم مصري واحد يمكن الاتفاق عليه”. هذه المقولة تلخص واقعًا مريرًا، حيث يخضع أي حكم مصري يتم اختياره لضغوط هائلة ويتم التشكيك في نزاهته من قبل جمهور الفريق المنافس حتى قبل أن تبدأ المباراة. هذا الوضع يجعل من الصعب على أي حكم، مهما بلغت كفاءته، أن يدير المباراة بأعصاب هادئة ودون خوف من إثارة الجدل.
لهذا السبب، يصبح اللجوء إلى الحكم الأجنبي هو الخيار “الآمن” للجميع، ليس بالضرورة لأنه أفضل فنيًا، بل لأنه محصن ضد اتهامات الانتماء والتحيز المسبق. فالحكم الأجنبي، حتى لو لم يكن من حكام الصفوة، يبدأ المباراة وهو يتمتع بثقة أكبر من الطرفين، مما يهيئ مناخًا أكثر هدوءًا داخل الملعب وخارجه.
تحت مقصلة الشك: الضغط النفسي على الحكم المصري
إن جوهر أزمة التحكيم في مباريات القمة لا يكمن فقط في الكفاءة الفنية، بل في العبء النفسي الهائل الذي يقع على كاهل الحكم المصري. فقبل أيام من المباراة، يتحول الحكم المُعين إلى مادة دسمة للتحليل والنقد في البرامج الرياضية وعلى منصات التواصل الاجتماعي. يتم نبش تاريخه التحكيمي، وتضخيم أخطائه السابقة، بل والتشكيك في انتمائه. هذا المناخ المشحون يضعه تحت “مقصلة الشك” حتى قبل أن يطلق صافرة البداية، مما يجعل كل قرار يتخذه، مهما كان صائبًا، عرضة للتأويل والهجوم. هذا الضغط الشديد يؤثر حتمًا على أداء الحكام ويجعلهم أكثر ترددًا خوفًا من ارتكاب خطأ قد يكلفهم مستقبلهم المهني، وهو ما يعزز بدوره حجة المطالبين بالحكم الأجنبي الذي يأتي متحررًا من هذه الضغوط المسبقة.
مواقف متناقضة: هل الطلب مبدأ أم تكتيك؟
على عكس الأهلي، الذي يتبنى موقفًا ثابتًا من التحكيم الأجنبي، تظهر مواقف بعض الأندية الأخرى وكأنها تكتيك متغير حسب الظروف. ففي إحدى المرات، وبعد أن حدد اتحاد الكرة حكمًا مصريًا لمباراة السوبر، تمسك الزمالك بضرورة وجود حكم أجنبي، ثم تراجع عن موقفه ووافق على الحكم المصري عندما وجد أن الموقف في صالحه. هذا التذبذب في المواقف يضعف حجة المطالبة بالحكم المصري، ويجعلها تبدو وكأنها ورقة ضغط تُستخدم عند الحاجة، لا قناعة راسخة بقدرات التحكيم المحلي.
هنا يبرز الفارق بين أن يكون طلب التحكيم الأجنبي مبدأً ثابتًا يهدف إلى تحقيق العدالة للجميع، وبين أن يكون مجرد مناورة تستخدم لتحقيق مكاسب ظرفية. هذا التناقض هو ما يجعل اتحاد الكرة في حيرة دائمة ويزيد من تعقيد المشهد.
الحكام المصريون يواجهون ضغوطًا كبيرة في مباريات القمة.
مبدأ الأهلي الثابت: “حكم أجنبي” كقاعدة لا استثناء
يُعد النادي الأهلي، بحسب المحلل محمد فارس، هو النادي الوحيد في مصر الذي يطلب حكامًا أجانب بشكل رسمي وكمبدأ ثابت على المدى البعيد. هذا الموقف لا يتغير سواء كان الفريق منافسًا على الدوري أم لا. فقد حدث في مواسم سابقة أن كان الأهلي في أمس الحاجة لنقاط مباراة لحسم اللقب، ورغم ذلك تمسك بطلبه لحكم أجنبي، رافضًا أي محاولة لإسناد المباراة لحكم مصري.
هذا الثبات يعكس فلسفة إدارة النادي التي ترى أن تطبيق المبدأ أهم من تحقيق مصلحة مؤقتة. فبدلاً من الدخول في جدل حول هوية الحكم المصري، يفضل الأهلي “شراء راحة البال” وتجنب أي شبهات قد تؤثر على تركيز الفريق، وهو ما يفسر إصراره الدائم على هذا المطلب.
خلاصة الجدل: هل من حل في الأفق؟
في النهاية، يبدو أن جدل التحكيم في مباريات القمة سيستمر طالما بقيت حالة الاستقطاب والاحتقان بين جماهير القطبين. فبينما يرى فريق أن الحكم الأجنبي هو طوق النجاة الوحيد من أخطاء وشكوك التحكيم المحلي، يرى فريق آخر أن الإصرار عليه هو “عقدة” وعدم ثقة في الكفاءات الوطنية. الحل لن يكمن فقط في هوية الحكم، بل في بناء منظومة تحكيمية قوية ومستقلة تحظى بثقة الجميع، وفي تغيير ثقافة التعصب التي تحول كل صافرة إلى قضية رأي عام.