إنهيارات وخسوفات “بالبركة الملونة” ضمن حوض البحر الميت

كتب د. عبد الرحيم ريحان
حذر الرحّالة والموثق العالمى الأستاذ عبد الرحيم العرجان بتاريخ 20 نيسان الماضي من خطر الإنهيارات والخسوفات في ما يعرف “بالبركة الملونة” ضمن حوض البحر الميت من الجانب الجنوبي وهو ما حدث فعلا .
وقد أعد عبد الرحيم العرجان تقريرًا مشفوعًا بتجارب وأبحاث أصحاب العلم كما تم الاستئناس برأي أهل الخبرة في مجال الطبيعة والجيولوجيا ومستندًا على دراسة الجمعية العلمية الملكية حذر من خطر الخسوفات في الموقع الذي أصبح وجهة غير مدرجة على الخارطة السياحية لخطورته وعدم ملائمته للتنزه أو الزيارة مع أن أجزاء من المحيط مسيّج وما تبقى ثبتت عليه يافطات تحذيرية بعدم الدخول منذ عدة سنوات
كما قام الرحّالة والموثق العالمى الأستاذ عبد الرحيم العرجان بزيارة للموقع مؤخرًا من باب المتابعة ولمس انهيارات جديدة في محيط البرك الثلاثة الرئيسية المتعارف عليها بلونها الوردي والأخضر وتحديدًا بالممر الرملي الفاصل بينهما والذي يستخدمه الزوار للعبور واجتياز البرك الثلاثة والتقاط الصور التذكارية من عليه والذي كانت مساحة عرضه بالزيارة الأولى بشهر نيسان الماضي مترين، أما اليوم فقد أصبح لا يتجاوز النصف متر لهشاشته وضعف تماسكه ومع ذلك يستمر الزوار بالعبور عليه غير آبهين بهذا الخطر القاتل رغم التحذيرات ووجود اليافطات الواضحة الصريحة.
الاعتداء على مقدرات الدولة
مع ازدياد عدد الزوار أثر دعوات المؤثرين على وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة الغير مشفوعة بالعلم بغية حصد كم من المتابعات والإعجابات أو بهدف تنظيم رحلات خارج أنظمة وتعليمات الوزارة وإدراج موقع البركة على محرك البحث في جوجل حيث قام أحد الأشخاص باستحداث كشك عشوائي من بقايا الخشب يقدم فيه الشاي بجانب الطريق الرئيسي لا بل انتهك الممتلكات العامة بقصه جزء من حديد الحماية من على كتف الشارع حتى يسمح للسيارات بالدخول وتقاضي بدل اصطفاف محذرًا الناس أن من يصطف على الجانب الآخر ستاتي دورية المرور لاحقا وسيتم مخالفته بعشرين دينارا وغير ذلك يتقاضي بدل عبور للمشاة من نقطته
” خاوة” فإن لم تدفع بدل اصطفاف تدفع بدل مرور دون وجه حق حتى لا تتشاجر معه ضاربا بعرض الحائط لكل تعلميات السلامة العامة .
ويضع العرجان التقرير أمام أصحاب القرار والمسؤولين لوضع حل جذري لهذا الموقع قبل أن تقع الكارثة يوما ما لا قدر الله ومحاسبة من سولت له نفسه بإتلاف وإزالة حديد حماية الطريق لمنافع شخصية.
الخسوفات المفاجئة
ينوه الرحّالة والموثق العالمى الأستاذ عبد الرحيم العرجان إلى ظهور العديد من البرك المائية بعض منها توشح باللون الزهري / الوردي نتيجة تجمع مياه الأمطار المختلطة بملوحة الأرض المذابة أو تسرب مياه البحر إليها عبر الشقوق بظاهرة جمالية أصبحت تستقطب العديد من المتنزهين ومجموعات المسير وهواة التصوير ومحترفيه غير مبالين بيافطات التحذير المنتشرة على طول الطريق والحاملة لعبارة “خطر ممنوع الاقتراب حفر انهدامية” لا بل وكأن هذه العبارات أصبحت دلالة للموقع حسب ما تشير جنوب من جسر الموجب المعلق ما بين شاطئ البحر الميت الملحي والطريق الرئيسى.
تشكلت هذه الحفر الشبيهة بالفوهات نتيجة خسوفات بالقشرة الأرضية إثر جفاف البحر وانخفاض مستواه السنوي المستمر حيث تتعرض المناطق الجافة الجديدة لهبوط مفاجئ نتيجة ذوبان الكتل الملحية تحت القشرة الأرضية العلوية مشكلة فجوات داخلية لتصبح حفر يتجاوز عمق بعضها العشرين مترا ومنها ما يكون به ماء راكد تجمع من الأمطار الموسمية أو الجوفية وفي بعض الحالات من نفس ماء البحر النافذ عبر الشقوق والتصدعات مبتلعة ما فوقها من مزارع أو منشئات وهو ما حدث عام 2000 لانهيار أحد سدود شركة البوتاس العربية في منطقة اللسان ومساحات من الأراضي بغور حديثة، وقد حذر من ذلك مرارا وتكرارا د. علم الهندسة الجيوفيزيائية وعلم الزلازل أ. نجيب أبو كركي واصفاً إياها بالخطرة جدا المستوجب تسييج محيطها ومنافذها ومراقبتها حيث أنها غير مستقرة مطلقا وهناك احتمالية كبيرة لوجود فجوات هشة مستترة تحيط بها سلسلة من التشققات المشتركة بالمركز ناصحا بعدم ارتيادها أو الاقتراب منها، وكان للعرجان زيارة معه لتوثيق عدة مواقع جنوبي البحر الميت ومنها ما تجاوزت فوهته الثلاثين مترا وبعمق زاد عن العشرة أمتار.
م. رائد الصعوب الأمين العام السابق للاتحاد العربي للأسمدة والمستشار الاستراتيجي السابق لشركة البوتاس العربية أفاد ” بأن التربة في هذه المناطق عادة ما تكون هشة خصوصا حول البرك المالحة المغلقة ومع تزايد عدد الزوار تزداد احتمالية الانهيارات والانزلاقات بسبب الضغط المتكرر على الأرض، وما نراه هنا ” مشيرا إلى البركة الوردية” (بسبب طحالب الدوناليلا المفيدة اقتصاديا ؛ إن تم استغلالها! ) هو مثال حي على كيف يمكن للمنظر الجمالي أن يخفي خلفة خطر جيولوجي حقيقي.
وأشار إلى أن الحفر الانهدامية بدأت بالظهور في منتصف التسعينيات وقد ابتلعت عددا من المنشئات والمساحات الزراعية في منطقة غور المزرعة وبين أعوام 2005 و 2010 حيث تفاقمت هذه الظاهرة بموقع منشئات شركة النميرة للأملاح المختلطة والطين التابعة للبوتاس العربية التي تكلفت بتأسيسها مما اضطرها لاتخاذ قرارا استباقيا لنقل معدات المصنع إلى منطقة أخرى أكثر أمانا .
مصائد الجمال
وحول ظاهرة تلون المياه قامت الجمعية العلمية الملكية بإجراء فحوصات وتحليل علمي مفصل اشترك به س٧تة خبراء وباحثين نشرت نتائجه باللغة الإنجليزية على موقع الجمعية الإلكتروني بتاريخ 12 مارس لبيان سبب وتعليل تحول لون البرك للون الوردي مستندا على الزيارة الميدانية والتحليل المخبري الدقيق حيث أشاروا إلى وجود شكل لحياة مجهرية لكائنات دقيقة محبة للملوحة تنتمي إلى عائلات الأركيا أو البكتيريا وهي المسؤولة عن هذا التحولات المنتجة لصبغة حمراء وردية تعرف باسم “باكتيريوروبيرين” وهي نوع من المركبات الكاروتينية وتلعب الصبغة دورا بيولوجيا حيويا لحماية الكائنات الدقيقة من الإشعاع الشمسي القوي والظروف القاسية في محيطها المالح، وليست ناتجة عن طحالب أو معادن مذابة.
ومن مشاهدات الرحّالة والموثق العالمى عبد الرحيم العرجان خلال زيارات لهذه المواقع بالإضافة إلى الشقوق والصدوع وانقلاب القشرة الأرضية في بعضها أنك تسمع صوت صدى أقدامك يتردد عند المسير وهذا مؤشر لوجود فراغ داخلي في عمق الأرض مما يدل على مدى خطورة الموقع الذي تقف عليه والذي قد ينهار بك بأي لحظة
أما البركة الرئيسية المتعارف عليها بجولات الزيارة والتي لا تشكل موقعا سياحيا بتاتا فهي عبارة عن خسف رئيسي تضمن عدة خسوفات شكلت برك متجاورة غيرة واضحة العمق لعكورة المياه وتلونها يفصل ما بينها حواجز رملية أصبحت ممرات قد تنهار بسبب توالي المرور والضغط المتكرر ضمن مستوى فوهة أخفض من مستوى البحر وقمة الخطر عندما يتجمع المرتادين معا على حافة البركة لالتقاط صورة جماعية غير آبهين بضغط أوزانهم مجتمعين على الحواف الهشة الرقيقة ( لذا وجب التحذير ) .
منطقة الأملاح الآمنة
وبالإضافة إلى شواطئ منطقة الفنادق وشاطئ أمانة عمان السياحي المغلق منذ عدة سنوات ” المستوجب إعادة فتحه ” هناك مواقع آمنة يمكن زيارتها على مسؤوليتك الخاصة للاستمتاع بجماليات الأملاح البلورية التي يتفرد بها محيط البحر الميت عن غيره من المواقع في العالم وتحديدا المنطقة الواقعة بعد جسر الموجب مباشرة حيث تكثر بها هذة التشكيلات الفريدة بظاهرة تستحق تسليط الضوء عليها، ولهذه الغاية قمنا بإنتاج مجموعة فنية فوتوغرافية ذيلت باسم “بحر الأسرار” لما يحتويه من أسرار طبيعية وقصص تاريخية مستخدمين مؤثرات لونية طبيعية وإعادة تركيب الصور للخروج بمنمنات عرضت في مهرجان عمان للفنون برعاية صاحبة السمو الأميرة ريم العلي، وفي ملتقى استراكا الدولي بشرم الشيخ وكانت أدرجت إحداها للتعريف عنا في كتاب 100 عام من الفن التشكيلي في الأردن الصادر عن المتحف الوطني.