مقالاتسلايدر

الأمن الغذائي على طاولة مجموعة العشرين: بين التحديات العالمية والجهود المصرية

بقلم/ أ.د:إبراهيم حسيني درويش
أستاذ المحاصيل وكيل كلية الزراعة السابق بجامعة المنوفية

لم يعد الأمن الغذائي مجرد قضية اقتصادية أو تنموية تقتصر على تحسين سبل العيش أو مكافحة الفقر، بل أصبح اليوم ركيزة أساسية لاستقرار الدول وسلامة المجتمعات، وعنصراً محورياً لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ففي ظل عالم متغير، حيث تتشابك الأزمات الاقتصادية مع الصراعات الجيوسياسية والتغيرات المناخية والأوبئة الصحية، باتت قضية الغذاء تتصدر أجندة النقاشات الدولية، وعلى رأسها اجتماعات مجموعة العشرين (G20) التي تُعنى بإيجاد حلول جماعية لهذه التحديات العالمية الملحة.

التحديات العالمية أمام تحقيق الأمن الغذائي:

العالم اليوم يواجه مزيجاً معقداً من التحديات التي تجعل من قضية الغذاء مسألة وجودية وملحة تتطلب تضافر الجهود الدولية:

التغيرات المناخية وتأثيرها على الأمن الغذائي:

تزايد موجات الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة غير المسبوق، والفيضانات المدمرة، كلها عوامل أثرت بشكل مباشر وسلبي على إنتاج المحاصيل الأساسية كالقمح والأرز والذرة. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن مئات الملايين قد يواجهون خطر الجوع وسوء التغذية بحلول عام 2050 إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة وفعالة للتكيف مع المناخ والحد من تداعياته على توفير الغذاء.

الأزمات الجيوسياسية والاقتصادية وتحديات الأمن الغذائي:

استمرار الصراعات الدولية، وخاصة الحرب الروسية – الأوكرانية، أدى إلى اضطراب كبير في سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع غير مسبوق في أسعار الغذاء والطاقة، وزيادة معدلات التضخم عالمياً، مما ضاعف من صعوبة حصول الدول النامية على احتياجاتها الغذائية الأساسية وألقى بظلاله على قدرة الأفراد على توفير غذائهم.

الأوبئة والأزمات الصحية وتداعياتها على الأمن الغذائي:

جائحة كورونا كشفت عن هشاشة سلاسل الإمداد الغذائي العالمية ونقاط ضعفها، حيث أدت القيود والإغلاقات المفروضة على حركة الأفراد والسلع إلى تعطل كبير في حركة التجارة والنقل، ما أظهر الحاجة الماسة إلى بناء أنظمة غذائية أكثر مرونة واستدامة وقادرة على الصمود أمام الصدمات المستقبلية.

دور مجموعة العشرين في دعم الأمن الغذائي العالمي:

تتحمل مجموعة العشرين، بصفتها تضم كبرى الاقتصادات العالمية، مسؤولية محورية في صياغة سياسات دولية تضمن استقرار أسواق الغذاء ودعم الدول الأكثر تضرراً من تحديات توفير الغذاء. ومن أبرز الأولويات المطروحة للنقاش والعمل المشترك:
توفير التمويل اللازم للتكيف مع التغيرات المناخية في القطاع الزراعي، بما في ذلك دعم المزارعين والبحث العلمي.
تعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية الذكية والممارسات المستدامة التي تزيد من كفاءة الإنتاج وتحافظ على الموارد.
دعم مبادرات بناء مخزونات استراتيجية للغذاء على الصعيدين الإقليمي والوطني لضمان توافر الغذاء في أوقات الأزمات.
تطوير آليات تضمن وصول الغذاء إلى الفئات الأكثر احتياجاً دون تمييز أو معوقات، والحد من هدره.
تشجيع التعاون الدولي وتبادل المعرفة لمواجهة التحديات العابرة للحدود التي تؤثر على استدامة الغذاء.

الجهود المصرية في ملف الأمن الغذائي:

مصر، باعتبارها من الدول ذات الكثافة السكانية العالية والتحديات المائية والبيئية، جعلت من ملف الغذاء قضية محورية في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. ومن أبرز جهودها ومشاريعها الطموحة لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي المستدام:
تخصيص 20% من الموازنة العامة للأمن الغذائي، كما أشار وزير المالية المصري، بما يعكس حجم الاهتمام بهذا الملف الاستراتيجي والتزامه بتوفير الغذاء للمواطنين.
تنفيذ مشروعات قومية كبرى مثل مشروع “مستقبل مصر الزراعي” والدلتا الجديدة والتوسع في زراعة القمح والذرة والمحاصيل الزيتية لتقليل فجوة الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي.
الاستثمار في الصوامع الحديثة لخفض الفاقد من الحبوب، وتطوير سلاسل التوريد المحلية لضمان وصول الغذاء بكفاءة.
التوسع في مشروعات الري الحديث والتحلية ومعالجة المياه لمواجهة ندرة الموارد المائية وتحسين استخدامها.
تشجيع الاستثمار في البحث العلمي الزراعي واستنباط أصناف جديدة من المحاصيل مقاومة للجفاف والحرارة وملوحة التربة، مما يدعم استمرارية الإنتاج.
تفعيل برامج دعم المزارعين وتوفير المستلزمات الزراعية بأسعار مناسبة، لضمان استمرارية العملية الإنتاجية ورفع مستوى معيشة العاملين في القطاع الزراعي.

أهمية انعقاد الاجتماع التحضيري لمجموعة العشرين في مصر لتعزيز الأمن الغذائي:

استضافة مصر لاجتماع تحضيري لمجموعة العشرين حول الأمن الغذائي تحمل عدة مكاسب استراتيجية هامة على الصعيدين الإقليمي والدولي:

تعزيز مكانة مصر الدولية في ملف الغذاء:

إبراز دورها كصوت رئيس للجنوب العالمي والدول النامية في قضايا الغذاء، وتأكيد قدرتها على استضافة فعاليات دولية كبرى.

جذب الاستثمارات والشراكات لدعم القطاع الغذائي:

فتح الباب أمام استثمارات أجنبية مباشرة في مجالات الزراعة والتكنولوجيا الغذائية والطاقة المتجددة المرتبطة بالقطاع الزراعي، مما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني [الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة].

نقل الخبرات والتكنولوجيا لتحقيق الاكتفاء الغذائي:

الاستفادة من التجارب الدولية الرائدة والتقنيات الحديثة في تطوير أنظمة غذائية ذكية ومستدامة، وتبادل المعرفة مع الدول الأعضاء في مجموعة العشرين [منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)].

فرصة لتسويق المبادرات المصرية لدعم الموارد الغذائية:

مثل مشروع الدلتا الجديدة ومبادرات التحول نحو الزراعة المستدامة، بما يعزز صورتها كدولة رائدة في المنطقة في مجال التنمية الزراعية.

تعزيز الأمن القومي عبر تحقيق الاستقرار الغذائي:

إذ يرتبط الغذاء ارتباطاً مباشراً بالاستقرار السياسي والاجتماعي، واستضافة مثل هذا الاجتماع يدعم خطط مصر لبناء منظومة غذائية مرنة (resilient) قادرة على مواجهة الأزمات العالمية والتحديات المستقبلية.

ختاماً: نحو مستقبل مستدام للأمن الغذائي:

الأمن الغذائي لم يعد ترفاً سياسياً أو تنموياً، بل أصبح عنواناً رئيسياً للاستقرار العالمي. ومجموعة العشرين تدرك أن مواجهة التغيرات المناخية، وإنهاء النزاعات، وتعزيز الاستثمارات الزراعية ليست قضايا ثانوية بل هي أساس لبناء مستقبل آمن ومستقر للأجيال القادمة.
أما مصر، فبحكم موقعها الاستراتيجي وتجربتها الرائدة في إدارة تحديات الغذاء والمياه، فإنها تقف اليوم كفاعل رئيسي في هذا الملف الحيوي، واستضافتها لهذا الاجتماع التحضيري فرصة ثمينة لترسيخ مكانتها الدولية، وحصد فوائد اقتصادية وسياسية مباشرة تعود بالنفع على شعبها واقتصادها، وتؤكد التزامها الراسخ بتحقيق الأمن الغذائي للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights