
كتب: دكتور يحيى هاشم
الإحباط يقتل الكفاءات .. كيف تهدد جماعات المصالح مستقبل المجتمع؟
في الوقت الذي تحتاج فيه المجتمعات إلى كل جهد مخلص وإلى أصحاب العقول المبدعة والكفاءات الحقيقية لبناء المستقبل تظهر آلية خطيرة من آليات هدم و تفكيك المجتمعات تهدد مسيرة التطوير والتنمية ألا وهي بث روح الإحباط و اليأس في نفوس أصحاب الكفاءة مقابل تمكين جماعات المصالح ومراكز النفوذ الضيقة الذين لا يريدون صالح الدولة وإنما يبحثون عن مصالحهم الشخصية.
هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك فردي أو خطأ عابر بل هي آلية مدمرة تُسهم بشكل مباشر في تفكيك المجتمعات من الداخل إذ تزرع الشك في قيمة العمل الجاد وتدفع أصحاب الطموح إلى الانزواء أو الهجرة بينما يتصدر المشهد من لا يملكون الكفاءة ولا الولاء الحقيقي للوطن بل يسعون فقط وراء مصالحهم الخاصة.
مما يؤدي الى التأثيرات السلبية على المجتمع وأخطرها زعزعة قيمة الانتماء والولاء عندما يُقصى أصحاب الكفاءة ويُحاصرون بالإحباط فإن رسالة خطيرة تصل إلى المجتمع مفادها أن الجد لا يفيد ولا مكان للمخلصين الحقيقيين و هنا تتآكل روح الانتماء وحب الوطن ويتحول الولاء من الدولة إلى جماعات المصالح الشخصية.
وتتراجع التنمية لأن التنمية لا يقوم بها إلا أصحاب الخبرة والرؤية فإذا تم إقصاؤهم لحساب مصالح شخصية ضيقة فإن المشروعات تفشل والخطط تنهار و يُحرم الوطن من أفضل ما لديه.
و ذلك يؤدي الى هجرة العقول لان الإحباط واليأس يولدان رغبة قوية لدى أصحاب الكفاءات في الرحيل بحثًا عن بيئة تقدّر قدراتهم و هو ما يؤدي إلى نزيف العقول وهجرة الطاقات الفعالة.
كذلك فإن تفكك النسيج الاجتماعي وغياب العدالة في الفرص وسيطرة جماعات المصالح يؤدي إلى فجوة اجتماعية خطيرة حيث يشعر المواطنون أن التقدم لا يتحقق بالاجتهاد بل بالولاء لمصالح ضيقه فينقسم المجتمع على نفسه.
والسؤال المهم كيف نواجه هذه الظاهرة التي تؤدي الى هدم وتفكيك المجتمع فذلك يتم من خلال تقديم الكفاءات الوطنية فلا بد من أن تتصدر الكفاءات المشهد و أن يُمنح أصحاب العقول الفرصة الكاملة في مواقعهم الطبيعية بالاضافة الى الشفافية في الاختيارات لأن محاربة جماعات المصالح لا تكون إلا بالشفافية والعدالة في التعيينات والترقيات.
وعلينا ان نعمل على نشر ثقافة التقدير لأن المجتمع بحاجة إلى نشر قيم جديدة تُشجع المخلص وتكرّم المبدع بدلًا من تمجيد أصحاب النفوذ.
و لا بد من إحياء روح الانتماء عبر ربط النجاح الفردي بمصلحة الوطن وتأكيد أن الكفاءة هي الطريق إلى التقدم لا المصالح الضيقة الشخصية.
إن أخطر ما يهدد بقاء الأمم ليس العدو الخارجي بل هدم الداخل بالإحباط واليأس وتهميش الكفاءات فحين تتحول الدولة إلى ساحة تتحكم فيها جماعات المصالح يختفي الولاء الحقيقي ويُقتل الأمل في النفوس و تتفكك المجتمعات من الداخل ثم تنهار لذلك فإن إنقاذ الأوطان يبدأ من إعادة الاعتبار لأصحاب الكفاءة وتجفيف منابع الإحباط وبناء مجتمع يُقدّر العلم والإخلاص لا المصالح الشخصية وهنا يأتي دورنا كعلماء اجتماع ندرس ونحلل آليات هدم المجتمعات لنجد أنفسنا أمام واجب وطني لزيادة الوعي المجتمعي بهذه الآليات المدمرة وسلاما عليكي يا بلادي في كل وقت و في كل حين.