رحلة إلى محمية نبق مع الرحّالة العالمى عبد الرحيم العرجان

بقلم/ د. عبد الرحيم ريحان
نرتحل اليوم مع الرحّالة والموثق العالمى الأستاذ عبد الرحيم العرجان أردني الجنسية إلى محمية نبق بجنوب سيناء التي تحتضن أندر النباتات كما أنها تتمتع بهدوء البحر ورمال ذرتها الرياح عبر الجبال الذي يروي لنا تفاصيل رحلته بأسلوبه الشيق من أدب الرحلات.
بعد خمسة أيام من المسير الراجل في أودية جنوب سيناء ضمن درب البدو المتضمن مسار محمل الحج المصري والطريق النبطي الرابط ما بين مصر وشمال إفريقيا والبتراء مرورا بالحميمة إلى بلاد الشام وفارس والجزيرة العربية حيث أجمع الفريق قضاء يوم الراحة على ساحل محمية نبق جنوبي وادي الكيد المزمع المسير فيه بعد ذلك بمكان متوسط ما بين ذهب وشرم الشيخ وتحديدا بمنطقة رأس تنتور الموقع الأكثر هدوء وجمال عذري بخليج العقبة قاطبة بعيدا عن كل مظاهر المدنية إلا من أضواء بواخر وسفن تمخر البحر بعبورها للخليج.
محمية نبق: استكشاف الهدوء والجمال الخاص
وبعد أن نصبنا خيامنا الفردية بمواقع محاذية للبحر انطلقنا للسباحة والاستجمام بهذا الهدوء الذي نمتلك أجمل لحظاته وحوار مع أمواجه التي أخذت في العلو مع مد الغروب المتزامن طعام عشاءنا من السمك وفره لنا مرافقنا من صياد قريب مع خبز قمح طازج (تشاريح) كما يسمى بلسان أهل البادية تم إعداده وطهوه بمكان مخصص لإشعال النار وفرته المحمية حفاظا على الطبيعة إلى جانب عرائش من سعف النخيل اعتلت أعمدة حجرية بتصميم جميل حفاظا على الطبيعة ومن صلب ذاتها دون أي تكلف يتيح لكل زائر اختيار مكانه بخصوصية وعلامات إرشادية نقشت على ألواح خشبية تبين لك موقعك وعلامات الطريق الترابي المار بين كثبان ذهبية وصولا إلى الطريق الدولي المعبد.
وبعد عشاء شهي فتحت لنا صفحة السماء بما فيها من نجوم وقمر مكتمل انعكس بريقها على صفحة الماء، لم يماثله إلا جمال شروق الشمس مصافحة لموج البحر وخيوط الفجر المنسل من فوق جبال حسما بالمملكة العربية السعودية في الجانب المقابل تمكنا من اقتناص مشاهد لا تعوض أثناء تثبيت الخيام بإحكام بمجابهة الريح وقد راعينا أن يكون اتجاهها مقابلا لهذا السحر الآسر وجمال المكان وكان للريح الأثر بتأخير حركة الملاحة ورسو السفن.
مسار الفجر: واكتشاف نبات المانجروف المذهل
عند الفجر وقبل موعد الإفطار خرجنا بمسار آخر ومشينا فوق أصداف متعددة الألوان موشحة ببياض مرجان مكسر قذفه البحر نحو الشاطئ تسمع صدى خشخشة يحاكي صوته هدير موج البحر كأنها موسيقى بين سؤال وجواب فسبحان من خلق كل شيء. ساقتنا أقدامنا إلى أشجار المانجروف المعروف بالعربي بنبات القرم أو الشورى (الأيكة الشاطئية) التي تعيش بالخلجان البحرية ومصبات السيول، والمذهل فيه أنه موئل لمخلوقات البحر واليابسة والطيور، فبين جذوره المتشابكة تتكاثر الأسماك والقواقع والقشريات كما تعتبر ملاذا لكثير من الزواحف وعلى أغصانه التي يصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار بحدها الأقصى استوطنت بعض أنواع الطيور.
وهذا الشجر يعتبر خير مرشح للماء المالح، ولطبيعته المتشابكة فهو يماسك الأرض الرطبة ومحافظ على الشواطئ من الانجراف. ولعسل أزهاره التي تتفتح في شهري أكتوبر وفبراير طعام مختلف ونكهة خاصة وفوائد جمة في علاج المفاصل وتعزيز الجهاز المناعي وشفاء التهابات القرحة والأمعاء، ولذلك أسست الحكومة المصرية المحمية عام 1992 م والمتضمنة 134 نوع من النبات منها 86 نادرة أو شارفت على الانقراض وهي بذلك تعد مقصدا للباحثين وعشاق الطبيعة.
ومع هذا الهدوء كان لنا صيد ثمين آخر تمثل بمشاهدتنا لطير عقاب كان قد أخذ مكانه فوق عامود خشبي فاردًا جناحيه للريح، كنا اقتنصنا شموخه بعدستنا وحتى تتحقق هذه اللقطة استوجب علينا أن نختار موقعًا معاكسا لاتجاه الريح على أن يكون الهدف أمامنا قدر الإمكان فلا يسمع صوتك أو يشتم رائحتك. وما أن عدنا لمخيمنا وجدنا الإفطار جاهزًا وهو عبارة عن طبق سيناوي أصيل غني بالبروتين والفسفور يعرف (بالبُصر) وهو مستخلص لب محار ثنائي الصدفة ينزع بحذر من صدفته الكبيرة الحجم والمستقرة بتجاويف صخور الرهف وبين الشعاب حيث يستخرج بمهارة، أما الخبز فكان رغيف العربود وهو خبز يدفن عجينه بالجمر حتى ينضج وكثيرًا من الناس يطلق عليه مزاحًا بأنه كيك البدو.
أما عن صدفته الكبيرة البيضاء تدخل في كثير من الحرف اليدوية فيطعم الخشب الأثاث بكسره لتكوين زخارف ومنمنمات توارث تقنياتها الأجيال ومنها تباع كما هي في محلات التذكارات أو شناشيل تعلق عند الأبواب لإصدار نغمات عند فتحه. أمضينا نهارنا بهذه الأجواء الساحلية الممتعة بين سباحة وراحة واستجمام حتى وقت العصر.
محتويات المقال وخدمات إضافية
أقسام المقال:
- رحلة إلى محمية نبق مع الرحالة العالمي عبد الرحيم العرجان (انتقل إلى القسم)
- محمية نبق: استكشاف الهدوء والجمال الخاص (انتقل إلى القسم)
- مسار الفجر: واكتشاف نبات المانجروف المذهل (انتقل إلى القسم)