
في كل مرة يدوي صفير قطار بالشرقية، تتسارع دقات قلوب الأهالي خوفًا من فاجعة جديدة عند أحد المزلقانات المفتوحة. تلك البوابات الحديدية التي صُممت لحماية الناس، صارت أبوابًا للموت، تبتلع الغافلين بلا إنذار، وتترك خلفها دماءً على القضبان ودموعًا في العيون. إنها حكاية إهمال يتكرر كل يوم، حتى غدت المزلقانات عنوانًا للفوضى ومقبرة مفتوحة لأحلام البسطاء.
في قرية ميت ربيعة البيضاء بمركز بلبيس، شهد الأهالي واحدة من أبشع الحوادث خلال أسبوع واحد فقط، بعدما فقد 3 أشخاص حياتهم بينهم زوجان خرجا في الصباح الباكر سعياً وراء لقمة العيش وبيع الخضروات لإعالة أسرهم. لكنهم لم يعودوا قط، بعدما اصطدم قطار بمركبتهم نتيجة ترك المزلقان مفتوحًا وسط ظلام دامس. المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، إذ أصيبت شقيقة الزوجة بجروح بالغة، لتبقى شاهدة حيّة على حجم الإهمال الذي يحصد الأرواح بلا رحمة.
والوضع لا يختلف كثيرًا في بعض المراكز والمدن بالمحافظة، حيث تحولت المزلقانات هناك إلى بؤر خطر، وسجلت هي الأخرى سلسلة من الحوادث خلال الأشهر الأخيرة، وسط غياب حلول جذرية أو رقابة حقيقية تضع حدًا لهذا النزيف المستمر.
والسؤال الذي يطرحه الشارع الآن: من المسؤول عن هذه الكوارث؟ هل هي وزارة النقل وهيئة السكك الحديدية؟ أم المحافظة والوحدات المحلية التي تركت الأمر يتفاقم؟ ووفق اللوائح، فإن المحافظ هو “رئيس الجمهورية داخل محافظته” والمكلف بالتواصل مع الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة النقل، لاتخاذ ما يلزم لحماية أرواح المواطنين. لكن الواقع يثبت أن التقصير حاضر، والمتابعة غائبة.
والمؤسف أن التعامل مع هذه الأزمات يأتي دائمًا بعد وقوع الكارثة، لا قبلها. ننتظر سقوط ضحايا جدد، ثم تبدأ التحركات الخجولة والترقيعية، وكأن الدماء هي وحدها القادرة على تحريك المسؤولين. هذه السياسة لا تليق بدولة تسعى لحماية مواطنيها وتطوير بنيتها التحتية.
الزميلة فتحية الديب، مديرة مكتب اليوم السابع بالشرقية، وابنة قرية ميت ربيعة البيضاء، تحركت سريعًا بعد الحادث، وتواصلت مع الوحدة المحلية التابعة لقريتها، ما أسفر عن تركيب إضاءة ليلية بالمزلقان لتقليل الحوادث. وجاء تدخلها بدافع انتمائها وحرصها على أهل بلدها الذين عايشت آلامهم، لتؤكد أن الصحفي الحقيقي لا يكتفي بالنقل وإنما يسعى لصناعة الفرق. ورغم أهمية هذه الخطوة، إلا أنها لا تكفي وحدها. المطلوب هو خطة شاملة لإعادة تأهيل وتأمين كل المزلقانات، وليس حلولًا ترقيعية وقتية.
ولا أحد ينكر الجهود الكبيرة التي بذلتها وزارة النقل خلال السنوات الماضية تحت قيادة الفريق كامل الوزير، سواء في تحديث البنية التحتية أو تطوير السكك الحديدية. لكن يبقى ملف المزلقانات مفتوحًا على مصراعيه، ويحتاج إلى تدخل عاجل وحاسم، حتى تكتمل المنظومة، ويشعر المواطن البسيط أن حياته ليست مهدرة عند قضبان القطار.