سلايدرعربي وعالمي

سد النهضة: الأبعاد الإثيوبية والمخاوف المصرية السودانية | الدليل نيوز

أزمة سد النهضة يُعد سد النهضة الإثيوبي أحد أبرز المشاريع الهندسية في القارة الإفريقية، لكنه في الوقت ذاته يمثل نقطة توتر جيوسياسي كبيرة بين إثيوبيا ومصر والسودان، مصر والسودان. ففي حين ترى إثيوبيا هذا السد بمثابة حلم تاريخي وإنجاز وطني يعزز تنميتها واستقرارها الإقليمي، تعتبره مصر والسودان تهديدًا مباشرًا ل الأمن المائي المصري والسوداني.

الرؤية الإثيوبية للسد: إنجاز وحلم

تستعد أديس أبابا للاحتفال بالتدشين الرسمي لسد النهضة خلال أسبوع، مؤكدة أن المشروع أصبح واقعًا ملموسًا. يصف رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، سد النهضة بأنه “أكبر تحدٍ واجهته البلاد في تاريخها المعاصر”، وأن إثيوبيا تغلبت على الضغوط الخارجية والأزمات الداخلية لتحقيق هذا الحلم.

ترى إثيوبيا أن السد يضمن تدفق المياه على مدار العام لدولتي المصب، ويمنع الفيضانات، ويعزز الترابط الاقتصادي بين دول المنبع والمصب. كما يؤكد أبي أحمد أن نهر النيل هبة ربانية، وأن اختيار إثيوبيا كدولة منبع ومصر والسودان كدولتي مصب هو جزء من هذه الهبة، وأن الوقت قد حان لتجاوز التباينات.

بدأت إثيوبيا المرحلة الأولى من تعبئة السد عام 2020، وبلغت تكلفة إنشائه نحو 4 مليارات دولار، وتولت شركة “ساليني” الإيطالية مهمة بنائه. ويُعد السد أكبر سد لإنتاج الطاقة الكهرومائية في إفريقيا والعاشر عالميًا.

الأمن المائي المصري: اعتراضات ومخاوف

على النقيض، تكثف القاهرة والخرطوم تحركاتهما السياسية والدبلوماسية لتأكيد عدم شرعية التشغيل الأحادي للسد دون اتفاق ملزم. وقد صدر بيان مصري سوداني مشترك يؤكد أن سد النهضة يمثل تهديدًا جسيمًا، ويرفض أي تحركات أحادية الجانب من إثيوبيا.

يُعتبر التشغيل الأحادي للسد انتهاكًا للقانون الدولي وإعلان المبادئ الموقّع عام 2015 بين الدول الثلاث. وقد أشار الخبير عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة، إلى أن سد النهضة بوضعه الحالي يمثل انتهاكًا لكل الاتفاقيات الموقعة، وعددها حوالي سبع اتفاقيات، وآخرها إعلان المبادئ 2015.

تسبب سد النهضة بالفعل في أضرار كبيرة، حيث تم حجز حوالي 64 مليار متر مكعب من الإيراد المائي المصري على مدار السنوات الخمس السابقة. هذه الكمية تمثل أكثر من 120% من حصة مصر المائية السنوية (55.5 مليار متر مكعب)، وهو ما يشكل ضررًا بالغ الخطورة لولا وجود السد العالي في مصر ومشروعات الدولة الأخرى لتوفير المياه.

كما أشار شراقي إلى الاضطرابات الشديدة في تشغيل سد النهضة، وفتح أربع بوابات دفعة واحدة في أغسطس الماضي، مما يضر بسد الروصيرص السوداني القريب. هذه الاضطرابات في التشغيل تؤدي بدورها إلى اضطراب في تشغيل السدود السودانية.

فشل المفاوضات بين إثيوبيا ومصر

أعلنت مصر في ديسمبر 2023 عن فشل الجولة الأخيرة من المفاوضات وإغلاق المسار التفاوضي كليًا بعد أكثر من 13 عامًا من المحادثات دون التوصل إلى اتفاق ملزم. اتهمت القاهرة والخرطوم أديس أبابا بانتهاك اتفاق إعلان المبادئ الذي ينص على ضرورة الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد قبل الشروع في عملية الملء.

يرى الخبراء أن هذا الوضع يضع مصير النيل في يد إثيوبيا، حيث أن التحكم في فتح وغلق بوابات السد وتشغيل التوربينات يتم بإرادة إثيوبية منفردة. ورغم أن بحيرة السد قد امتلأت بالكامل، وأن الأمطار مستمرة، فلا بد لإثيوبيا من إمرار المياه، إما عبر التوربينات إذا كانت تعمل، أو عبر بوابات المفيض إذا كانت التوربينات لا تعمل.

أزمة سد النهضة

مع تحول سد النهضة إلى أمر واقع، تتصاعد التساؤلات حول أوراق التفاوض المتبقية أمام دولتي المصب. على الرغم من الأضرار التي حدثت بالفعل، يرى الخبراء أن عودة المفاوضات والوصول إلى اتفاق أصبح أسهل من السابق، خاصة وأن إثيوبيا لم تعد تستطيع حجز المياه بعد امتلاء السد.

الحل العادل لمصر والسودان يكمن في اتفاق تشغيلي يضمن استدامة تدفق المياه ويجنب دول المصب المزيد من الأضرار، ويضع آليات للتنسيق والتعاون. إن غياب اتفاق ملزم يجعل أي مشروع سد إثيوبي مستقبلي مصدرًا لتوترات أشد، خاصة وأن مصر اليوم تختلف عن مصر عام 2011 بقدرتها على مواجهة هذه التحديات من خلال مشروعاتها المائية الداخلية.

في ظل هذه المعطيات، يبقى التوصل إلى اتفاق شامل وعادل بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة هو السبيل الوحيد لضمان الأمن المائي لدول حوض النيل وتحقيق التنمية والاستقرار الإقليمي للجميع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights