ثقافة وفنسلايدر

 طعم المعاناة

كم آلمني حديثه الذي يقطر بالهموم، فقضيته هي قصة السواد الأعظم من الشباب، لا حماه المؤهل الدراسي الذي يحمله، ولا العمل الذي كان مصدر رزقه ولقمة عيش أسرته، ولا أنصفته قوانين العمل من أنياب الشركات الخاصة، فتعرض لموجات الزمن القلابة.

كأغلب الشباب الذي يسعى إلى التحرر من الوظيفة الميري ، رأي ( شاكر ) أن يعمل في شركة من شركات القطاع الخاص ، بمدينة العاشر من رمضان ، وتمر عليه الأيام فيتزوج ويصبح عائل أسرة صغيرة، وتجر السنون أيامها ، لم يدرك تماما أن يكون مصيره، هو استغناء الشركة عنه ، كفعل معظم الشركات في غيبة وزارة القوى العاملة بكل القوانين واللوائح التي تحفظ للعمال حقوقهم.

بلغ شاكر من العمر ٤٣ عاما ، ليجد نفسه خارج الشركة التي كان يعمل بها، ليواجه مصيره الجديد وصعوبات متواترة ، فصدمته الأولى، أن الشركة لم تقم بالتأمين عليه ، ليخرج كما يقول المثل ( طلع من المولد بلا حمص) ، وأصبح فريسة بين أنياب البطالة.

وفي أيام سوداء من زمن وباء الكورونا ، يبحث عن عمل ، ليدفع إيجار شقته ، وينفق على إعالة أسرته.. حمد الله أن عياله أخذت عطلة إجبارية من المدارس ، كإجراء احترازي لمواجهة الموجة الثانية للوباء الذي توغل في بلدان العالم كالنار في الهشيم ، يقطف الأرواح بدون رحمة..كانت العطلة الإجبارية رحمة له من مصاريف العيال.

اضطر شاكر كباقي الشباب أن يعيش أيامه ، ويكابد في البحث عن ظروف بديلة .. أي ظروف يعمل فيها لإعالة أسرته ، والوفاء باحتياجاتها ، حتى ولو كان راتبه أقل مما كان يحصل عليه من الشركة التي ضحت به.

كان السن عائقا للحصول على عمل في شركة مماثلة ، كالتي كان يعمل بها ، كان الهم يركبه في الليل ، ويذله في النهار ، فعندما ينظر في عيون عياله ، الذين يحتاجون إلى ضروريات الحياة ، حتى لا يشعرون بأنهم أقل من غيرهم ، فيتجرع طعم الآه ومرارتها..ثمان سنوات لم يدخر أي فلوس تنفعه في الأيام السوداء الذي يمر بها .

فاجأني بصدمة الإعاشة التي يعيشها ،حين سألته

— ما وفرتش أي حاجه من مرتبك تسندك في الأيام دي..؟!

أجابني على الفور..

— راتبي ٢٥٠٠ جنيه.. أدفع منهم إيجار شقه.. أدفع فواتير ميه وكهربا وغاز .. مصاريف مدارس.. أكل وشرب..ملابس عند الحاجه ، وزوجتي لا تعمل.!!

اشعر بسكين الصدمة يقطعني كما يقطع اللحم ، أتألم..تخرج أهاتي مكتومة ، أرى الشباب يعاني مثل عبد المعز ، ألعن كل الشركات التي تأكل عمر الشباب ، وتتركه في قبضة الضياع ، وألعن أصحابها قساة القلوب ، الذين يسرقون مستحقات الشباب ، وألعن الجهات الرقابية المسئولة عن حقوق العمال ،التي تهدر حقوقهم ، وتتركهم فريسة لشركات لا تعرف الإنسانية ، وكل غايتها المكاسب والأرباح التي تأتيهم من عرق شاكر وامثالة .

مد شاكر رأسه في انحناءة بسيطة.. أنا أعرفه تمام المعرفة ، هو لم يقصدني من قبل في أي شيء.

بعد احتساء كوب الشاي الذي طلبته له من عامل الكافتيريا التي أرتاد الجلوس بها .

هم شاكر بالانصراف..مد رأسه بانحناءة بسيطة بمقربة من وجهي وأطلق آخر صدمة أصابتني بطعم الوجع..

— مش معاك عشره جنيه فكه ..

أسرعت يدي إلى جيبي لتعطيه نصيبه الذي قدره الله له مني.

           بقلم الشاعر الأديب/ نبيل مصيلحي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights