أخبارسلايدر

اعتراض الرئيس على المادة 48 من قانون الإجراءات الجنائية.. جدل دستوري تحت قبة البرلمان

جدل دستوري تحت قبة البرلمان

كتب: منصور عبد المنعم

في خطوة تعكس حرص الدولة على التوازن بين إنفاذ القانون وصون الحريات العامة، شهدت الجلسة العامة الافتتاحية لدور الانعقاد السادس من الفصل التشريعي الثاني لمجلس النواب، تلاوة خطاب رئيس الجمهورية بشأن اعتراضه على عدد من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، والذي أثار حالة من الجدل داخل الأوساط القانونية والسياسية على حد سواء.

اعتراض رئاسي على 8 مواد
الخطاب الرئاسي تضمن ملاحظات جوهرية على 8 مواد من مشروع القانون، وفي مقدمتها المادة (48)، التي وصفها الرئيس بأنها جاءت بصياغة فضفاضة لا تتماشى مع الضمانات الدستورية المتعلقة بحرمة المنازل والمحال السكنية، وهو الحق الأصيل الذي لا يجوز المساس به إلا في أضيق الحدود وبضوابط صارمة.

إشكالية المادة 48
تنص المادة (48) من المشروع على السماح لرجال السلطة العامة بدخول المنازل وغيرها من المحال المسكونة في حالة وجود “خطر”، إلا أن الخطاب الرئاسي أشار بوضوح إلى أن النص لم يتضمن أي تعريف محدد لحالات الخطر، الأمر الذي قد يؤدي إلى التوسع في التفسير وفتح الباب أمام تطبيقات عملية تتجاوز ما قصده المشرع الدستوري في المادة (58) من الدستور المصري.

وأكد الرئيس أن حماية حرمة المنازل ليست فقط التزامًا دستوريًا، بل هي من الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية، ولا يجوز إدراج أي استثناءات فضفاضة عليها دون صياغة دقيقة ومحددة، حتى لا تتحول إلى أداة تسمح بالانتقاص من الحريات الشخصية تحت ذريعة الحفاظ على الأمن.

إعادة صياغة وضبط التشريع
وطالب الرئيس بضرورة إعادة النظر في المادة (48) وإعادة صياغتها بما يضمن:
– وضع تعريف جامع مانع لحالات الخطر.
– أو على الأقل حصرها في قائمة محددة لا تحتمل التأويل.
– تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن والنظام العام من ناحية، وحماية الحقوق الدستورية للمواطنين من ناحية أخرى.

ويرى مراقبون أن هذا الاعتراض يعكس نهجًا متوازنًا من القيادة السياسية التي تسعى لإصدار قوانين أكثر إحكامًا تتفادى اللبس والتأويل، وتتماشى مع روح الدستور المصري الذي أقر صراحة بأن “للمنازل حرمة، ولا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب”.

القانون في سياق الإصلاح القضائي
قانون الإجراءات الجنائية الجديد يُعد أحد أهم التشريعات المنتظرة، حيث يمثل حجر الزاوية في تطوير المنظومة القضائية وتحقيق العدالة الناجزة، بعد أن ظل القانون الحالي معمولًا به لعقود طويلة. ويأتي المشروع ضمن خطة الدولة لإصلاح التشريعات بما يتواكب مع التغيرات المجتمعية والاقتصادية والسياسية.

لكن في الوقت نفسه، يؤكد خبراء القانون أن الإصلاح التشريعي لا يكتمل إلا عبر مواءمة النصوص مع الدستور وضمان الحريات، وهو ما ظهر بوضوح في اعتراض الرئيس على المادة (48)، باعتبارها من النقاط الجوهرية التي يجب ضبطها قبل إقرار القانون بشكل نهائي.

ردود فعل متوقعة
من المنتظر أن تشهد الأيام المقبلة مناقشات مكثفة تحت قبة البرلمان، لإعادة صياغة المادة محل الاعتراض بما يتوافق مع الملاحظات الرئاسية. كما يتوقع أن ترحب القوى السياسية والحقوقية بهذه الخطوة، باعتبارها تعزز من ثقة المواطنين في أن التشريعات لا تصدر بمعزل عن الضمانات الدستورية.

الاعتراض الرئاسي على المادة (48) من مشروع قانون الإجراءات الجنائية يعكس حرص القيادة السياسية على عدم التضحية بالحقوق الدستورية في سبيل النصوص القانونية، ويؤكد أن الدولة تسير على خط متوازن بين إنفاذ القانون وصون الحريات. ومن المرجح أن يسهم هذا الموقف في إثراء النقاش البرلماني حول القانون، وصولًا إلى صياغة أكثر دقة تضمن تحقيق العدالة دون مساس بحقوق المواطنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights