تحقيقات و ملفاتسلايدر

جيل التيك توك.. من صناعة المحتوى إلى صناعة الوعي الزائف

كتب : منصور عبد المنعم

في زمنٍ لم يعد فيه المذياع سيدًا، ولا التلفزيون نافذة الوعي، وُلد جيلٌ جديد يتنفس عبر الشاشات الصغيرة، ويقيس قيمته بعدد المتابعين والإعجابات. جيل التيك توك… أبناء الخمس عشرة ثانية، الذين يصنعون شهرتهم بسرعة البرق، ويختفون بالسرعة ذاتها.

  التيك توك ..شهرة بلا مضمون

لم يعد الوصول إلى الجماهير حكرًا على الإعلاميين أو الفنانين. يكفي أن يمتلك الشاب هاتفًا متصلًا بالإنترنت، وأن يجرؤ على فعل ما يجذب الأنظار — مهما كان سخيفًا أو صادمًا — حتى يجد نفسه نجمًا يتحدث عنه الملايين.

اللافت أن معظم هذه المقاطع لا تحمل فكرًا ولا رسالة، بل تكتفي بإثارة الضحك أو الجدل. ومع التكرار، بدأ المحتوى الهادف يختفي، ليحل محله سيل من التفاهات التي تسحب المشاهدين من واقعهم إلى عالمٍ من الوهم.

  من “المؤثر” إلى “المُضلِّل

تحوّل بعض هؤلاء المشاهير إلى رموز لدى المراهقين، يقلّدونهم في المظهر والسلوك وحتى طريقة الكلام. ولم يدرك كثير من الشباب أن “المؤثر” الذي يتابعونه ليس خبيرًا ولا قدوة، بل مجرد شخص أتقن لعبة الخوارزميات.

“نحن أمام جيلٍ يُعاد تشكيل وعيه عبر محتوى غير مراقب، يقدّم نماذج للنجاح السريع بلا تعب، ويجعل الشهرة هدفًا في ذاتها، لا وسيلة لنشر فكرة أو موهبة.”

  ضياع الحدود بين الواقع والافتراض

لم يعد الشباب يفرّق بين ما هو حقيقي وما هو مصطنع. فتاةٌ تبكي أمام الكاميرا لمجرد زيادة المشاهدات، وشابٌ يختلق مشاجرةً وهمية ليحصل على التريند. ومع الوقت، تآكلت قيمة الصدق، وبدأت المقاطع المزيّفة تحصد تعاطف الملايين.

تيك توك.. منصة أم عالم بديل؟

في مصر، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20 مليون مستخدم نشط يتعاملون مع تيك توك، غالبيتهم من الفئة العمرية بين 13 و25 عامًا.
هذه المنصة لم تعد وسيلة ترفيه فحسب، بل أصبحت “بيئة اجتماعية” تُشكّل الذوق واللغة والأفكار، في غياب شبه كامل للرقابة الأسرية والتعليمية.

الحل ليس المنع بل التوجيه

يرى خبراء الإعلام أن المواجهة لا تكون بالحجب أو التحريم، بل بالتثقيف الرقمي، أي تعليم الجيل الجديد كيف يفرز ما يشاهده، وكيف يستخدم المنصات لصالحه لا ضده.
كما يطالبون بدعم صُنّاع المحتوى الهادف، وتوفير مساحات تشجع الإبداع الحقيقي بدل الانسياق وراء “التريند”.

خلاصة القول

جيل التيك توك ليس عدوًّا.. لكنه مرآة. مرآة تعكس سطحية عالمٍ انشغل بالصورة ونسي الجوهر، وانغمس في اللهو ونسي الفكر.
إنها معركة وعيٍ طويلة، عنوانها ليس المنع بل استعادة البوصلة، كي لا يصبح المستقبل “تحديًا” جديدًا على منصةٍ افتراضية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights