
كتب: د. قاسم زكى
أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا، عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر
يعتبر تهريب الآثار المصرية إلى الخارج مسألة هامة تمس الهوية الثقافية والتاريخية لشعب مصر، ولها تداعيات سلبية على المجتمع والاقتصاد. لذلك، يجب على جميع الأطراف المعنية، من حكومات ومنظمات دولية والمجتمع المدني، العمل سويًا لحماية هذا التراث الإنساني الثمين، من خلال تعزيز القوانين، وتقوية التعاون الدولي، ونشر الوعي بين الأفراد للحفاظ على هذه الثروات الآثرية للأجيال القادمة. لكن علينا أولا معرفة الطرق التي يتم عن طريقها التهريب ثم نذكر أضرار عمليات التهريب على الشعب والدولة.
مخاطر تهريب الآثار المصرية على التراث والاقتصاد الوطني
أسباب وطرق تهريب الآثار المصرية عبر التاريخ
هناك أسباب عدة أدت إلى اختفاء كميات كبيرة من الآثار المصرية عبر الزمن سواء بطرق شرعية كالإهداء لرؤساء وملوك بعض الدول أو تقاسم الآثار المُكتشفة مع البعثات الأجنبية، أو عن التجارة في قطع الآثار المصرية والتي كان مصرح بها للبعض، حتى أن المتحف المصري في التحرير كان يقوم ببيع بعض القطع المكررة، وأستمر هذا النظام حتى صدور القانون رقم 117 لسنة 1983م والذي حرم تجارة الآثار تماما.
وكذلك كان يتم تهريب الآثار المصرية للخارج بطرق غير شرعية ولعل منها ما خرج على يد الغزاة المحتلين لأرض الوطن مثل ما استولى عليه أباطرة الرومان، خاصة أن الآثار المصرية تتميز عن غيرها من الآثار الموجودة في العالم من حيث نوعياتها وكمياتها وجودتها وعمرها ووجودها على أحجام مختلفة يسهل نقلها.
نظام “القسمة” والتجارة غير المشروعة
كان لمبدأ “القسمة” مع البعثات الآثرية الأجنبية السبب الرئيس في خروج العديد من قطع الآثار المصرية للخارج (سرقات مشروعة)، حيث كان ينص قانون الآثار المصري في ذلك الحين على إجراء القسمة على الآثار المُكتشفة بين البعثات الأجنبية والحكومة المصرية. ففي العام 1874م صدرت لائحة جديدة سمحت بنظام قسمة الآثار التي يتم اكتشافها، إلى قسمين متساويين،
أي 50% للبعثة المكتشفة و50% للدولة المصرية (تمثال راس نفرتيتي في متحف برلين مثالا). هذا بالإضافة إلى التجارة غير المشروعة للآثار والتي كانت تتم بمُساعدة العاملين في قنصليات بعض الدول بالقاهرة، والتي أدت إلى خروج أعداد كبيرة من القطع النادرة، ويتم عرضها حاليا في متاحف العالم مثل المتحف البريطاني بلندن ومتحف “المتروبوليتان” بالولايات المتحدة ومتحف”برلين” بألمانيا ومتحف “اللوفر” بفرنسا ومتاحف آخري بفرنسا وإيطاليا وروسيا وغيرها من الدول، هذا بجانب عدد من المسلات المصرية القديمة.
تقاعس الحكام واستغلال الأهالي والمتاحف الأوروبية
وقد تفاقمت المشكلة في القرن التاسع عشر لتقاعس حكومة محمد علي باشا وخلفاءه في إصدار التشريعات المنظمة للبحث عن الآثار وحيازتها، ولم يكن لدي حكام مصر الأتراك الإحساس الكافي بخطورة هذه المشكلة، وذلك لأنهم لم يعيروا ماضي مصر وتاريخها القديم أهمية تذكر. وكثيرا ما كانت الآثار في ذلك الوقت تستخدم كوسيلة من وسائل التأثير السياسي. أما بعض الأهالي فقد درجوا على استغلال الآثار أسوأ استغلال (الناس على دين ملوكهم)، فكانوا يستغلونها كمصدر للحجارة لبناء قراهم فوق مستوى فيضان النيل. أما متاحف أوروبا فلم تتورع بدورها عن استغلال الموقف، وحثت التجار على شحن غرف وأفاريز ومقابر آثرية كاملة للعرض في صالاتها.
مبررات واهية لتهريب الآثار وتخريبها
وفى ملحوظة غريبة، يقول أحد العاملين في مجال الآثار المصرية من الأجانب “إلى حد ما لم يكن هناك لوم على أمناء المتاحف والأثريين إن كانوا قد نظروا إلى صائدي الكنوز نظرة تنطوي على التسامح. فقد كانوا أينما قلبوا وجوههم يشاهدون تفتيت وتدهور وتدمير المعابد والأهرام للحصول على حجارة للبناء، وكان التجار المصريون يلحون على السياح لشراء الآثار، لذلك اقنعوا أنفسهم انه من الأفضل ترك العلماء والتجار ينقلون ما استطاعوا نقله من الآثار القيمة التي يجدونها إلى أوروبا، حيث تتوافر الحماية ضد النهب والضياع، وحيث انه لم يكن في مصر دار للآثار، وحينما وجد لم يكن ليستوعب الكم الهائل من الآثار المكتشفة.
وقد خُربت أو أُحرقت آلاف النقوش والبرديات، أو تحطمت وتلفت التماثيل والمومياوات أثناء الحفر المحموم للبحث عن الآثار الضخمة. وكانت الآثار الضخمة بغية متاحف أوروبا مع البرديات الجميلة والمخطوطات القيمة. لكن لا أحد من هؤلاء كان يولي ادني اهتمام لتحسين وسائل استكشاف الآثار في مواقعها والمحافظة عليها حيث نبتت.
أضرار تهريب الآثار المصرية:
الآثار ليست مجرد قطع حجرية أو معدنية، بل هي جزء من تاريخ الشعب المصري ومن هويته الثقافية. وعندما تُهرّب هذه القطع إلى الخارج، يتم قطع الرابط بين الشعب وماضيه. وتهدد هذه العمليات قدرة الأجيال القادمة على فهم تاريخهم وفهم تطور حضارتهم.
كما أن الآثار المصرية تعد أحد أبرز عوامل الجذب السياحي في مصر، وتعتبر المتاحف والمواقع الآثرية من أهم وجهات السياح في العالم. وعندما يتم تهريب هذه الآثار، قد يقلل ذلك من جاذبية هذه الأماكن السياحية ويضعف الاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة.
كما أن سرقة الآثار تعني عدم إمكانية دراستها بشكل مناسب من قبل العلماء والباحثين. ما يتم تهريبه يخرج من دائرة الفحص العلمي والتوثيق الأكاديمي، مما يؤدي إلى فقدان الكثير من المعرفة التي كان من الممكن أن تُضاف إلى التاريخ البشري.
ومن الخطورة بمكان أن تهريب الآثار مرتبط في كثير من الأحيان بشبكات الجريمة المنظمة. هذه الشبكات تمول نشاطاتها من خلال بيع الآثار المسروقة، مما يساهم في انتشار الفساد وزيادة معدلات الجريمة في المناطق التي تحدث فيها عمليات التهريب. ربما عن دور حكام مصر في حماية الآثار المصرية، ذلك هو موضوعنا القادم بإذن الله.
الدليل نيوز عشان البلد والناس
لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.