محافظاتسلايدر

بعد 100 عام على إنشائه.. مصر تعيد افتتاح النصب التذكاري للدفاع عن قناة السويس في مشهد مهيب

في مشهد مهيب يمزج بين عبق التاريخ وفخر الحاضر، تشهد محافظة الإسماعيلية اليوم، الإثنين 17 نوفمبر 2025، حدثًا وطنيًا فارقًا يتمثل في إعادة افتتاح النصب التذكاري لقناة السويس. هذا الصرح، الذي يُعرف أيضًا النصب التذكاري للدفاع عن قناة السويس او بالنصب التذكاري للحرب العالمية الأولى، يعود للحياة بعد قرن من الزمان على بدء تشييده، ليكون شاهدًا حيًا على تضحيات الأمة المصرية ورسالة خالدة للأجيال القادمة عن معنى الصمود والدفاع عن تراب الوطن.

موقع استراتيجي.. لماذا جبل مريم؟

لم يكن اختيار موقع النصب التذكاري محض صدفة، بل جاء محملاً برمزية عميقة. يتربع الصرح الشامخ في منطقة تل جبل مريم، جنوب مدينة الإسماعيلية، في نقطة استراتيجية تطل مباشرة على المجرى الملاحي لقناة السويس. هذا الموقع يجسد الدور التاريخي للمنطقة كخط دفاع أول عن شريان الحياة لمصر والعالم، ويربط بشكل عضوي بين الجغرافيا الصلبة والتاريخ المليء بالتضحيات. الوقوف أمامه اليوم يعني استحضار أرواح الأبطال الذين سهروا على حماية هذا الممر المائي، لتظل القناة رمزًا للسيادة الوطنية المصرية وعنوانًا لقدرة المصريين على حماية مقدراتهم.

النصب التذكاري للدفاع عن قناة السويس تحفة فنية تروي قصة 100 عام من الصمود

بدأت قصة هذا النصب في عام 1925، واستغرق بناؤه خمس سنوات كاملة ليتم افتتاحه رسميًا في عام 1930، حاملاً توقيع المبدعين الفرنسيين، النحات ريموند ديلامار والمعماري ميشيل رو سبيتز. لم يكن مجرد بناء حجري، بل فلسفة فنية متكاملة تجسد عقيدة القتال المصرية. يتألف النصب من تمثالين مهيبين لملاكين متعانقين، يرمز أحدهما للحكمة والبصيرة، بينما يرمز الآخر للقوة الضاربة والشجاعة في مواجهة الأعداء. يقف الملاكان أمام صرحين ضخمين من الجرانيت الوردي النادر،

الذي تم جلبه خصيصًا من أرخبيل مادالينا في سردينيا بإيطاليا، ليرمزا إلى ضفتي القناة الشرقية والغربية، بينما تترك بينهما مسافة رمزية تجسد مجرى القناة نفسه. يبلغ ارتفاع النصب 40 مترًا، مما يجعله معلمًا معماريًا فريدًا. وما يزيد من قيمته التاريخية هو احتفاظه بآثار الطلقات والضربات التي تعرض لها عبر الحروب المختلفة، لتروي كل ندبة على جسده قصة صمود وتحدٍ، وتجعله متحفًا مفتوحًا يروي ذاكرة وطن.النصب التذكاري لقناة السويس, محافظة الإسماعيلية, تاريخ قناة السويس, الحرب العالمية الأولى في مصر, تطوير الإسماعيلية
النصب التذكاري لقناة السويس, محافظة الإسماعيلية, تاريخ قناة السويس, الحرب العالمية الأولى في مصر, تطوير الإسماعيلية

رسالة وطنية تتجاوز الاحتفال

إن إعادة افتتاح النصب التذكاري لقناة السويس اليوم، تحت رعاية اللواء أكرم جلال محافظ الإسماعيلية، ليست مجرد فعالية احتفالية عابرة، بل هي رسالة وطنية متعددة الأبعاد. إنها تؤكد أن مصر، في جمهوريتها الجديدة، لا تنسى أبطالها ولا تتخلى عن ذاكرتها التاريخية، مهما تقادم الزمن. هذا الحدث يعيد الاعتبار لتاريخ عسكري وإنساني ظل منسيًا لعقود، ويخلد تضحيات الجنود المصريين وجنود الحلفاء الذين دافعوا عن القناة خلال الحرب العالمية الأولى. تأتي هذه الخطوة كجزء من رؤية الدولة الشاملة لإحياء التراث وتعزيز الهوية الوطنية، حيث أكد محافظ الإسماعيلية أن الاحتفالية تندرج ضمن خطة أوسع لتطوير كافة المواقع التاريخية بالمحافظة، بما في ذلك المسرح الروماني والقرية الأوليمبية، وصولًا إلى مشروع متحف قناة السويس العالمي، لربط الأجيال الجديدة بتاريخ أجدادهم وتضحياتهم.

توقيت دقيق.. بين الماضي والمستقبل

يكتسب النصب التذكاري لقناة السويس أهمية إضافية لتزامنه مع الذكرى 156 لافتتاح قناة السويس عام 1869، مما يمنحه بعدًا دوليًا يذكر العالم بأهمية هذا الممر المائي ودور مصر المحوري في استقرار حركة التجارة العالمية، خاصة في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة. على الصعيد المحلي، تعكس الاحتفالية حالة من الاصطفاف الوطني، بمشاركة القوات المسلحة، وهيئة قناة السويس، وجامعة قناة السويس، وكافة الجهات التنفيذية، مما يؤكد أن الحفاظ على تاريخ الوطن هو مسؤولية جماعية. الفعاليات المصاحبة، من عروض فنية وجولات بحرية وعرض فيلم تسجيلي بعنوان “الإسماعيلية.. أرض السحر والجمال”، تهدف إلى تحويل الحدث إلى احتفالية ثقافية وسياحية متكاملة، تضع الإسماعيلية من جديد على خريطة السياحة التاريخية العالمية.

مصر لا تنسى أبطالها.. رسالة للأجيال القادمة

في نهاية المطاف، يمثل افتتاح النصب التذكاري لقناة السويس حدثًا وطنيًا بامتياز، يجمع بين الفن والتاريخ والسياسة، ويجسد عقيدة وطنية راسخة بأن الدفاع عن الأرض والممرات الحيوية هو واجب مقدس تتوارثه الأجيال. إنه ليس مجرد إحياء لذكرى الشهداء، بل هو تجديد للعهد بأن ذاكرة الأمة ستظل حية، وأن تضحيات الماضي هي التي تبني قوة المستقبل. هذا الصرح سيبقى شامخًا ليروي للأجيال القادمة أن على هذه الأرض رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وأن مصر لا تنسى أبدًا أبطالها.

الدليــــل نيوز علشان البلد والناس 

موقع وجريدة الدليل نيوز — ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام



© جميع الحقوق محفوظة – جريدة الدليل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights