الذكاء الصناعي في الشارع المصري.. بين الخوف والفرصة

إعداد / ✍️ منصور عبد المنعم
لم يعد الذكاء الصناعي حلمًا بعيدًا أو مصطلحًا يخص أفلام الخيال العلمي. لقد صار واقعًا يوميًا يتسلل إلى تفاصيل حياتنا دون أن نشعر.
من تطبيق يكتب لنا الرسائل تلقائيًا، إلى موقع يصمم صورة أو يترجم نصًا في ثوانٍ، إلى برنامج يرد على العملاء بدقة بشرية مذهلة.
لكن المفاجأة أن هذا التطور المذهل لم يعد حكرًا على الشركات الكبرى، بل أصبح موضوعًا في المقاهي، وحديثًا على صفحات التواصل، وهاجسًا يراود شبابًا يخشون أن يفقدوا وظائفهم غدًا.
“هو إيه الذكاء الصناعي ده؟“
في جولة قصيرة داخل أحد شوارع العاشر من رمضان، طرحنا السؤال البسيط على المارة:
– “لما تسمع كلمة ذكاء صناعي، تفكر في إيه؟”
ابتسم سائق التاكسي قائلًا:
“أكيد حاجة ليها علاقة بالروبوت اللي بيكلمك بدل الإنسان.. يعني الكمبيوتر اللي بقى أذكى مننا!”
بينما أجاب طالب بكلية تجارة بثقة:
“أنا شايفه مستقبل، هيخلينا نشتغل أسهل.. بس برضه ممكن ياخد مكاننا.”
أما ربة المنزل، فقالت بابتسامة متوجسة:
“هو اللي بيعمل صور غريبة على الفيس؟ ابني بيقول ده الذكاء الصناعي!”
الإجابات اختلفت، لكن القاسم المشترك بينها كان الخوف من المجهول، وفضول الإنسان المصري الذي يحاول فهم ما يجري حوله.
“الوظايف في خطر؟“
كثير من الشباب المصري يشعر أن الذكاء الصناعي يهدد مستقبله المهني.
يقول “أحمد”، خريج كلية آداب يعمل في خدمة العملاء:
“بدأت الشركة تدخل نظام رد آلي بيرد على العملاء بدالي.. في الأول كنت مبسوط لأنه بيساعدني، لكن بعد كده حسّيت إنه بياخد مكاني!”
أما “منى”، مدرسة لغة إنجليزية، فتخشى من تطبيقات الشرح الذكية:
“الطلبة بقوا يسألوا التطبيق مش المدرس! بيكتبوا السؤال في التطبيق وياخدوا الإجابة في ثانية!”
خبراء سوق العمل يرون أن هذا القلق طبيعي، فكل ثورة تكنولوجية تصحبها مخاوف من البطالة، لكن سرعان ما تظهر وظائف جديدة لم تكن موجودة من قبل.
“وظائف لم تولد بعد”
في المقابل، هناك من يرى الذكاء الصناعي فرصة ذهبية.
يقول “مروان”، شاب عشريني يعمل في مجال التصميم:
“كنت محتاج أتعلم برامج معقدة، دلوقتي بكتب أوصاف بسيطة والذكاء الصناعي يرسملي الصورة! بيوفر وقت وشغل، وأنا بستفيد منه بدل ما أخاف.”
ويضيف “سلمى”، صانعة محتوى رقمي:
“ChatGPT بيساعدني أكتب أفكار جديدة للمحتوى. هو مش بديل عني، هو مساعدي!”
هذه الفئة الجديدة من الشباب بدأت تفتح مشاريع صغيرة تعتمد كليًا على أدوات الذكاء الصناعي: في التسويق، والإعلانات، وتصميم المواقع، وحتى كتابة المقالات.
“التعليم في مواجهة الثورة الرقمية“
في بعض المدارس والجامعات المصرية بدأت ملامح التحول تظهر بوضوح.
أحد أساتذة كلية الحاسبات يقول:
“الذكاء الصناعي مش رفاهية، ده ضرورة. بنعلّم الطلبة إزاي يستخدموه بوعي، لأن الجيل اللي جاي هيتعامل مع تكنولوجيا أعقد بكتير.”
كما أعلنت وزارة الاتصالات عن برامج تدريبية لتأهيل الشباب على أدوات الذكاء الصناعي، في خطوة تؤكد أن الدولة بدأت تستعد فعلاً لهذا التحول العالمي.
“العلم بلا ضمير.. خطر كبير“
ورغم كل الإيجابيات، هناك جانب مظلم لا يمكن تجاهله:
تزييف الصور، فبركة الفيديوهات، إنتاج أخبار كاذبة بواقعية مذهلة… كلها أدوات يمكن أن تتحول إلى سلاح تضليل في يد من لا يملك الوعي الكافي.
تحذر خبيرة الإعلام الرقمي “د. نهى” قائلة:
“الذكاء الصناعي مثل السكين، يمكن أن يصنع طعامًا أو يسبب جرحًا.. المسألة في يد من يستخدمه.”
الذكاء الصناعي ليس عدوًا للبشر ولا منقذًا سحريًا.
هو ببساطة “عصر جديد” بدأ بالفعل، لا ينتظر من يتردد أو يخاف.
في الشارع المصري، تتعدد الأصوات بين من يرى فيه تهديدًا للوظائف، ومن يراه أداة للنهضة.
لكن المؤكد أن القادم لا مكان فيه لمن يقف متفرجًا.
فمن لا يتعلم لغة المستقبل اليوم… سيُضطر غدًا أن يتحدث مع الآلة كمتسول، لا كشريك.




