تحقيقات و ملفاتسلايدر

السوشيال ميديا… منبر التعبير أم ساحة للضجيج؟

 

إعداد: منصور عبد المنعم

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك الحقائق، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الساحة الكبرى التي تُدار فيها النقاشات، وتُصاغ منها الاتجاهات العامة، بل وتتحرك من خلالها مشاعر الملايين نحو قضية أو موقف أو شخص.
لكن السؤال الذي لم يهدأ بعد: هل ما زالت “السوشيال ميديا” منبرًا حرًّا للتعبير، أم تحولت إلى ساحة صاخبة للضجيج والمبالغة والفتن؟

 

بين الحرية والفوضى

بدأت الحكاية مع رغبة الملايين في التعبير بحرية بعد سنوات من الصمت، فكانت المنصات مثل فيسبوك وإكس وتيك توك متنفسًا عامًا للمواطنين، ونافذة يتحدث فيها الجميع عن همومهم بلا خوف.
لكن شيئًا فشيئًا، تحولت هذه المساحة الحرة إلى غابة من الأصوات المتداخلة، فيها الصادق والكاذب، والمصلح والمغرض، حتى صار من الصعب التفرقة بين الحقيقة والإشاعة.

 

الرأي العام… صناعة خفية

لم يعد الرأي العام وليد الشارع أو الصحافة وحدها، بل أصبح يتشكل في دقائق عبر منشور أو فيديو قصير.
فبضغطة زر يمكن أن تتحول قضية محلية إلى “تريند” وطني، والعكس.
وفي كثير من الأحيان، يتم توجيه الرأي العام عمدًا، سواء من صفحات مجهولة أو حملات ممولة، لتشويه أو دعم موقف معين.

يقول أحد خبراء الإعلام الرقمي:

“التحكم في وعي الناس لم يعد يحتاج قناة فضائية، بل حسابًا نشطًا ومحتوى جذابًا. ما يُنشر في دقيقة قد يغيّر اتجاه آلاف العقول.”

 

الإشاعات.. النار التي تشتعل في صمت

تشير تقارير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن نسبة انتشار الشائعات عبر مواقع التواصل ارتفعت خلال السنوات الأخيرة، خاصة في أوقات الأزمات الاقتصادية أو الأحداث السياسية الساخنة.
وغالبًا ما تبدأ الإشاعة من منشور مجهول، ثم تتناقلها الصفحات دون تحقق، لتتحول في ساعات إلى “حقيقة” عند البعض، تخلق خوفًا أو غضبًا في المجتمع.

 

الشباب بين التأثير والتأثر

الشباب هم الفئة الأكثر تواجدًا على المنصات، وهم في الوقت نفسه أكثر المتأثرين بها.
فبين من يصنع محتوى هادفًا يحفّز على التطوع أو التوعية، ومن ينجرف وراء “الترندات الفارغة” أو المقاطع المضللة، تتضح الفجوة بين الاستخدام الإيجابي والسلبي للسوشيال ميديا.

تقول أميرة – طالبة جامعية:

“أحيانًا أشعر أني أعيش داخل شاشة، كل شيء يحدث بسرعة ولا نعرف أين الحقيقة. ومع ذلك، لا أستطيع ترك السوشيال ميديا لأنها أصبحت جزءًا من يومي.”

 

أصوات العقل تبحث عن مكان

ورغم فوضى المحتوى، ما زال هناك من يسعى لاستخدام المنصات في نشر الوعي والحقائق، سواء من خلال صحفيين محترفين أو مبادرات للتحقق من الأخبار.
لكن هؤلاء يواجهون صعوبة في الوصول إلى جمهور واسع، لأن الضجيج غالبًا ما يعلو على الصوت الهادئ.

 

الحل… وعي رقمي لا قانون فقط

يرى الخبراء أن الحل لا يكمن فقط في القوانين والرقابة، بل في تربية إعلامية جديدة تبدأ من المدارس والجامعات، تُعلّم الشباب كيفية التحقق من المعلومة ومصادرها قبل مشاركتها.
فالمشكلة ليست في التكنولوجيا، بل في طريقة التعامل معها.

 

السوشيال ميديا ليست شرًّا مطلقًا ولا خيرًا خالصًا، بل هي مرآة للمجتمع نفسه؛ تعكس وعيه وثقافته ومسؤوليته.
وما بين من يستخدمها للبناء ومن يوظفها للهدم، تبقى الحقيقة الوحيدة أن الكلمة الآن تملك قوة تفوق السلاح، وأن من يكتب اليوم قد يُشكّل وعي أمة غدًا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights