أحزاب ونوابسلايدر

المشاركة الإيجابية… صوتٌ يبني وطنًا

بقلم/ ا.د / ابراهيم درويش

مع انتخابات مجلس النواب المصري التى تجرى خلال شهر نوفمبر الى ٢٠٢٥ م، تعود إلى السطح واحدة من أهم القضايا الوطنية التي ترتبط مباشرة بمستقبل البلاد: وهى أهمية المشاركة الإيجابية. وهذه ليست مجرد عبارة تُردَّد في مواسم الانتخابات، بل هي ركيزة استقرار، ودليل وعي، وأداة المواطن الأولى في تشكيل السياسات واتخاذ القرار. فالصوت الذي يُدلى به داخل الصندوق لا يساوي ورقة صغيرة فحسب، بل يساوي اتجاه أمة كاملة نحو المستقبل.

الانتخابات… لحظة تجلي الإرادة الشعبية

الانتخابات ليست مشهدًا سياسيًا عابرًا، بل هي تعبير مباشر عن إرادة الشعب. في الدول المستقرة سياسيًا، تكون الانتخابات هي الأداة التي تمنح شرعية حقيقية للبرلمان والمجالس المنتخبة، وبالتالي تمنح الدولة استقرارًا ثابتًا ومتوازنًا. تُعدّ المشاركة الإيجابية جوهر العملية الديمقراطية، لأنها تمنح المواطن دورًا فعليًا في تحديد من يمثله، ومن يتحدث باسمه، ومن يدافع عن مصالحه داخل البرلمان. المواطن الذي يشارك يبعث برسالة واضحة: “أنا شريك في هذا الوطن… ولست متفرجًا”.

لماذا نحتاج إلى مشاركة واسعة؟

يسأل البعض: لماذا كل هذا الاهتمام بنسب المشاركة؟ والإجابة ببساطة أن الإقبال الانتخابي مؤشر صريح على قوة الدولة وثقة مواطنيها فيها. عندما يخرج المواطنون بكثافة للمشاركة، فإنهم يؤكدون أن لديهم الإيمان بقدرتهم على التأثير، وبأن الوطن ملك للجميع، وأن المستقبل يُصنع بمشاركة اليد والعقل والقلم والصوت. وعلى المستوى الدولي، فإن أي عملية انتخابية تشهد مشاركة قوية تُعزز صورة مصر أمام المؤسسات العالمية، وتنعكس إيجابًا على الوضع الاقتصادي والاستثمار الأجنبي.

مجلس النواب… قلب التشريع والعقل الرقابي

البعض ما زال يتساءل: ماذا يفعل مجلس النواب؟ والإجابة أن البرلمان هو القوة التشريعية التي تنظّم شؤون الدولة عبر القوانين، وهو أيضًا القوة الرقابية التي تتابع أداء الحكومة وتضمن توجيه الموارد بالشكل الصحيح. فالقرارات المتعلقة بالاستثمار، والضرائب، والتعليم، والصحة، ودعم الفئات الأكثر احتياجًا، والمشروعات القومية الكبرى، جميعها تمر عبر البرلمان. وبالتالي، فإن قوة البرلمان مرتبطة مباشرة بقوة اختيارات المواطنين، التي تبدأ من صندوق الانتخاب.

كيف يخدم النائب دائرته؟

النائب ليس مجرد صوت داخل قاعة البرلمان, بل هو صوت المواطنين داخل الدولة. دوره الحقيقي يتمثل في:– نقل مشكلات دائرته للحكومة.– متابعة تنفيذ المشروعات والخدمات.– الدفع نحو تحقيق التنمية المحلية.– المساهمة في حل قضايا التعليم والصحة والصرف الصحي والطرق وغيرها. النائب الجيد هو الذي يكون موجودًا بين الناس، يعرف احتياجاتهم، ويتحدث باسمهم، ويخدمهم بلا مقابل سوى ثقتهم.

المعايير الصحيحة لاختيار المرشح

حتى تتحقق المشاركة الإيجابية، يجب أن تسبقها اختيارات واعية. وهنا تبرز ثلاثة معايير أساسية: ١- الكفاءة: هل المرشح قادر على مناقشة القوانين والملفات المهمة؟ ٢-النزاهة: هل سجله نظيف وسمعته طيبة؟ ٣- البرنامج الانتخابي الواقعي: هل يقدم خطة حقيقية مبنية على احتياجات أبناء دائرته؟ أم مجرد وعود لا تُنفذ؟ وعلى المواطن أن يسأل نفسه: هل هذا المرشح يمثلني؟ هل يفهم احتياجاتنا؟ هل يستطيع الدفاع عن حقوقنا؟ الاختيار مسؤولية… والصوت أمانة.

الشعارات والبرامج… كيف نميز بينهما؟

أصبحت الحملات الانتخابية مليئة بالشعارات الجذابة، لكن الشعار لا يساوي برنامجًا، والكلام العام لا يصنع تغييرًا. البرنامج الجاد يحتوي على أهداف محددة وخطط قابلة للتنفيذ، بينما الشعارات تكتفي بكلمات مثل: “هنطور… هنغير… هنرفع”. على المواطن ألا ينجذب إلى الوعود الخيالية التي تتجاوز صلاحيات النائب، بل يركز على البرامج الواقعية وبعض الإنجازات الفعلية أو التجارب السابقة للمرشح.

سلبية البعض… الأسباب والحلول

هناك مواطنون ما زالوا يعزفون عن المشاركة لأسباب مختلفة؛ قد يكون الشعور بعدم تأثير الصوت، أو الانشغال، أو ضعف الوعي بالدور الحقيقي لمجلس النواب، أو حتى الوقوع في فخ الشائعات. الحل يبدأ بـ الوعي:– توضيح دور البرلمان للمواطن.– التأكيد على أن صوت الفرد يصنع الفارق.– مواجهة الشائعات عبر مصادر رسمية.– نشر ثقافة المشاركة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام. الدولة القوية لا تُبنى بالأقلية المشاركة، بل بالأغلبية الواعية التي تعرف قيمة صوتها.

الشائعات… الحرب الصامتة على الوعي

لم تعد الحروب اليوم بالسلاح فقط، بل بالمعلومة. الشائعات هي أخطر أدوات ضرب العملية الانتخابية لأنها تستهدف التشكيك والبلبلة. ولذلك، لا بد أن يكون المواطن واعيًا:– لا تنشر شيئًا قبل التحقق منه.– ارجع إلى البيانات الرسمية.– اعرف أن الشائعة تستهدفك قبل أن تستهدف الدولة. مصر تمتلك مؤسسات قادرة على إدارة الانتخابات، وما يحتاجه الوطن اليوم هو مواطن واعٍ لا يسمح لأحد أن يسرق وعيه.

الإعلام والمجتمع المدني… شريكان في الوعي

يلعب الإعلام الوطني دورًا محوريًا في مواجهة الشائعات، ونشر الحقائق، وتعريف المواطن بأهمية الانتخابات. بينما يقوم المجتمع المدني بجهد كبير في تثقيف الناخبين، وتنظيم الندوات، وتوعية الشباب، وفتح مساحات للنقاش داخل القرى والمراكز. إن المجتمع كله شريك في صناعة انتخابات نزيهة، ومشهد ديمقراطي يعكس وعي المصريين.

الشباب… طاقة التغيير الحقيقية

يمثل الشباب الشريحة الأكبر في المجتمع، وهم الأكثر حيوية وقدرة على التأثير. إن مشاركتهم في الانتخابات لا تعطي قوة للصندوق فقط، بل تعطي قوة للمستقبل. الشباب الذين يصنعون مشروعات وابتكارات وقدرات جديدة، قادرون أيضًا على اختيار ممثليهم وصُناع قوانين تحمي حقوقهم وتدعم أحلامهم.

ختاما: صوتك يبني… وغيابك يهدم

مع اقتراب انتخابات مجلس النواب، يُطرح السؤال الأهم: هل نكتفي بالمشاهدة… أم نصنع المشهد؟ الصوت الذي يدخله المواطن إلى الصندوق اليوم، هو ذاته الذي يرسّم شكل الدولة غدًا. لا يوجد صوت لا قيمة له، ولا يوجد مواطن بلا تأثير. المشاركة ليست خطوة صغيرة… إنها خطوة تبني وطنًا أكثر استقرارًا وقوة. فلنشارك جميعًا… من أجل مصر التي نريدها لأبنائنا، ومن أجل مستقبل نكون نحن صُنّاعه، لا مجرد متفرجين عليه.


عن الكاتب: ا.د / ابراهيم درويش

أحد أبرز كُتاب الرأي في “الدليل نيوز”، متخصص في تحليل القضايا الوطنية والفكرية برؤية عميقة. يمكنكم الاطلاع على المزيد من مقالاته السابقة:

الدليــــل نيوز علشان البلد والناس 

موقع وجريدة الدليل نيوز — ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام



© جميع الحقوق محفوظة – جريدة الدليل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights