تحقيقات و ملفاتسلايدر

“المهندس يشتغل دليفري”: قصص غيّرت شكل سوق العمل في مصر

 

إعداد : منصور عبد المنعم

لم تعد الشهادة الجامعية بوابة عبور إلى الوظيفة «المرغوبة» كما كان يتصورها الشباب قبل سنوات. في شوارع المدن الجديدة والعشوائيات على حدّ سواء، تجد خريج هندسة يقود دراجة توصيل، وخريج صيدلة يعمل في التسويق، وخريجة إعلام تدير صفحة على الفيس بوك مقابل عمولة.
هذا التحول لم يعد استثناءً، بل أصبح ظاهرة اجتماعية واضحة تعكس تغيّر سوق العمل المصري بصورة عميقة وغير مسبوقة.

 

من المعمل إلى المطعم

“أحمد”، خريج هندسة ميكانيكا، يعمل اليوم في توصيل الطلبات لإحدى التطبيقات الشهيرة.
يبتسم بمرارة وهو يقول:

“درست خمس سنين في كلية صعبة، وبالنهاية لقيت شغل الدليفري أسرع وأحسن من المرتبات القليلة في المصانع… مفيش مصنع بيديني اللي بيديه التطبيق!”

قصته ليست حالة فردية، بل نموذج يتكرر بين آلاف الشباب الذين اصطدموا بواقع يرى الخبرة أهم من الشهادة، والسرعة أهم من سنوات الدراسة.

 

عايز أشتغل.. أياً كان الشغل

تقول “سارة”، خريجة تجارة إنجليزي:

“اشتغلت في خدمة عملاء، وبعدها في محل ملابس، وبعدين بقيت أدير صفحة مبيعات أونلاين. اكتشفت إن شغلي الحقيقي مش مرتبط بالشهادة، مرتبط بمهاراتي.”

بينما اختار “عمرو”، خريج صيدلة، العمل في التسويق الطبي ثم إدارة فريق مبيعات عبر الإنترنت.
يقول:

“الصيدلة حلوة.. بس السوق مش مستوعب. لقيت نفسي شاطر في البيع، فمشيت في الطريق ده.”

هذه التجارب تكشف عن جيل جديد لا يستقيل من أحلامه، لكنه يعيد تشكيلها بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي.

 

لماذا تغيّر مسار الخريجين؟

خبراء سوق العمل يفسرون الظاهرة بعدة عوامل:

1 . فجوة بين التعليم واحتياجات السوق  

الكليات تخرّج سنويًا آلاف المهندسين والصيادلة والمحاسبين… بينما السوق لا يحتاج هذا العدد.

 2 . ارتفاع البطالة المقنّعة

شركات كثيرة تقلص التعيينات وتطلب خبرات لا يمتلكها الخريجون الجدد.

3 . طفرة الاقتصاد الرقمي

فرص العمل السريعة اليوم أصبحت في التطبيقات، التسويق الإلكتروني، خدمات التوصيل، وإدارة المحتوى.

4 . تغيّر توقعات الشباب

جيل لا يبحث عن لقب “مهندس/دكتور” بقدر ما يبحث عن دخل مستقر وسريع.

 

وظائف جديدة لم تكن موجودة

في المقابل، يخلق الاقتصاد الجديد وظائف مثل:

مدير صفحات تواصل

شريك توصيل مع تطبيقات

مسوّق رقمي

صانع محتوى

محلل بيانات مبتدئ

مساعد افتراضي

وكلها مجالات لا تحتاج شهادة بقدر ما تحتاج مهارات عملية وحضور رقمي قوي.

 

خبراء العمل: “المستقبل للمهارات وليس للشهادات

يقول خبير التوظيف “م. حسام العربي”:

“سوق العمل المصري يتحرك بسرعة. من يتمسك بتخصصه الجامعي فقط سيفوته القطار. المهارة اليوم هي العملة الحقيقية.”

ويضيف:

“من الطبيعي أن يعمل المهندس دليفري لفترة، أو الصيدلي في التسويق. المهم أنه لا يتوقف عن تطوير نفسه.”

 

جيل يعيد تعريف النجاح

ربما كانت وظيفة “الدليفري” يومًا ما رمزًا لعدم النجاح، لكنها اليوم أصبحت مرحلة انتقالية لآلاف الشباب الذين يبنون حياتهم من جديد.
فلم يعد النجاح وظيفة حكومية أو لقبًا مرموقًا… بل أصبح قدرة شاب على التأقلم مع عالم يتغير كل يوم.

وبين شهادة جامعية على الحائط وحياة تبحث عن الاستقرار، يبقى السؤال:
هل نغيّر الواقع… أم نتغير معه؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights