
كتب/ د. ابراهيم حسينى درويش
في زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتتوارى الحقائق، وتصبح الكلمة سلاحًا أخطر من الرصاصة، يبرز سؤال وجودي يطارد الأمم والشعوب: هل ما نراه ونسمعه هو الحقيقة فعلًا أم صورة مصنوعة بعناية لتوجيه وعينا؟ من هنا تأتي أهمية كتاب “تزييف الوعي” للمفكر الكبير فهمي هويدي، الذي أطلق فيه صرخة مبكرة ضد أخطر ما يصيب أمة: أن تُهزم في عقول أبنائها قبل ميادينها.
الوعي.. سلاح الأمم المفقود
يرى الكاتب أن المعركة الكبرى في هذا العصر ليست معركة حدود ولا موارد، بل معركة وعي وبصيرة. فحين يُغتال الوعي، تُغتال الحقيقة، وتُصنع الأكاذيب لتبدو كأنها واقع، ويُعاد تشكيل الإدراك الجمعي للأمة حتى تفقد قدرتها على التمييز بين الصواب والخطأ. ويستشهد المفكر بما جاء في القرآن الكريم عن خطر الغفلة الفكرية حين قال تعالى: “ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها…” (الأعراف: 179)، فالقلب الذي لا يفقه، والعقل الذي لا يتدبر، هو أول ضحايا تزييف الوعي.
هوية الأمة.. بين الاغتراب والانبهار
يبدأ المؤلف من الجذر الأول لـ تزييف الوعي: الهوية. فحين يُغرس في المسلم الشعور بالدونية أمام الغرب، يفقد ثقته في نفسه، ويبدأ رحلة اغتراب عن دينه وثقافته. لقد نجح الإعلام الموجَّه والتعليم السطحي في جعل المسلم يشعر أن تمسكه بهويته نوع من الرجعية، وأن التقدم لا يتحقق إلا بتقليد غيره. ويقول المفكر: “حين يخجل الإنسان من هويته، يسهل قيادته”.
الإسلام والآخر.. حين يصبح الفهم ساحة صراع
من أكثر المجالات التي طالتها يد التزييف العلاقة بين الإسلام والغرب. لقد صُوّر الإسلام في الإعلام العالمي كدينٍ عنيف لا يعرف التسامح، بينما جُعل المسلم مرادفًا للإرهاب. وفي المقابل، صُوّر الغرب في عيون بعض المسلمين كعدو دائم. يُرجع الكتاب هذا الخلل إلى ثلاث آفات: التعميم، الجهل المتبادل، والتحريض الإعلامي الذي يُغذي الخوف والكراهية.
الدين والسياسة.. بين القداسة والاستغلال
يفرد الكتاب مساحة واسعة لتصحيح الفهم المشوه للعلاقة بين الدين والدولة. فقد جرى ترويج صورتين متطرفتين: إما فصل الدين عن الحياة العامة بالكامل، أو جعله متحكمًا في كل شيء. وفي الحالتين، تضيع الحقيقة التي تتمثل في أن الإسلام دينٌ شامل ينظم القيم قبل القوانين، ويهتم بالضمير قبل التشريع، فهو مرشد للسياسة لا تابعًا لها.
أدوات تزييف الوعي.. حين تتحول الكلمة إلى سلاح
يُظهر الكتاب كيف تُدار حرب الوعي من خلال ثلاث أدوات رئيسية: الإعلام الموجَّه الذي يصنع رواية تخدم مصالحه، والخطاب الديني التقليدي الذي فشل في مجاراة العصر، والتعليم المأزوم القائم على الحفظ والتلقين الذي يقتل روح الإبداع والنقد.
تحرير الوعي.. معركة العقل قبل الأرض
يؤكد الكتاب أن الأمة لا يمكن أن تحرر أرضها ما لم تحرر عقول أبنائها أولًا. فالتحرر الحقيقي يبدأ من الفكر، لا من الجغرافيا. ويلخص الكتاب فلسفته في عبارة: “تحرير الأرض يبدأ بتحرير الإنسان، وتحرير الإنسان يبدأ بتحرير وعيه”. إن أي مشروع نهضة لن ينجح إذا لم يسبقه مشروع وعي.
خاتمة: الوعي معركتنا الكبرى
يخرج القارئ من “تزييف الوعي” وهو يدرك أن معركة الأمة الحقيقية اليوم هي معركة عقل. فحين يُسرق العقل تُسرق الأوطان، وحين يُزيف الوعي تُختطف الحقيقة. ولعلنا اليوم أحوج ما نكون إلى أن نرفع شعار: “احفظ عقلك.. تُحفظ أمتك”. إنها صرخة لكل من يخاف على دينه ووطنه ومستقبله: أفيقوا قبل أن يسرقوا عقولكم.
الدليل نيوز عشان البلد والناس
لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.
انضم إلى مجتمع الدليل نيوز
استكشف أقسامنا الرئيسية:
أخبار الرياضة • أخبار الاقتصاد • الأخبار العاجلة




