مقالاتسلايدر

“دولة التلاوة”.. حين يعود الصوت الجميل ليقود الذوق العام

بقلم : منصور عبد المنعم

تثبت نسب المشاهدات المرتفعة لبرنامج «دولة التلاوة» حقيقة راسخة: أن الشعب المصري، رغم ما يحيط به من ضجيج إعلامي ومحتوى غير هادف، ما زال يمتلك ذوقًا أصيلًا ينجذب إلى الجمال الحقيقي حين يُقدَّم له. فالبرنامج أعاد تقديم فن التلاوة المصرية في أبهى صوره، وذكّر الجميع بأن الصوت القرآني ليس مجرد أداء، بل مدرسة تهذيبٍ للروح وارتقاءٍ للوجدان.

وقد جاء البرنامج في لحظة بدت فيها الساحة الإعلامية غارقة في محتوى خفيف وأغاني مهرجانات لا تحمل قيمة فنية أو ثقافية، فكان حضوره أشبه بعودة النور إلى مساحة اشتاق لها الجمهور طويلًا. ولم يحتج «دولة التلاوة» إلى حملات دعائية واسعة كي يثبت نفسه، إذ تكفّل الجمهور المصري بنشر حلقاته وتداول مقاطعه، مؤكدًا أن الذوق العام لم يتغيّر، بل كان ينتظر محتوى راقيًا يستحق الاحترام والوقت.

ولا يمكن الحديث عن نجاح البرنامج دون الإشارة إلى الفخر الذي يشعر به أبناء المحافظات المختلفة حين يرون ممثليهم يسطعون في هذه المنصة الكبرى. وعن نفسي، أفتخر بأن ثمانية من المشاركين في التصفيات النهائية ينتمون إلى محافظتي، محافظة الشرقية، تلك الأرض التي أنجبت على مدار تاريخها قرّاء عظامًا رسخوا هوية التلاوة المصرية في العالم كله. ويأتي هذا الحضور القوي ليؤكد أن الشرقية ما زالت زاخرة بالمواهب القرآنية التي تحافظ على هذا التراث العظيم.

إن أثر «دولة التلاوة» لم يكن مجرد لحظات استماع جميل، بل تحوّل إلى حالة عامة أعادت الروح إلى البيوت، وربطت الأجيال الجديدة بفن التلاوة، وذكّرت المجتمع بمكانة قرّاء مصر الذين حملوا هذا الفن عبر العقود. كما أعاد البرنامج تشكيل الذوق العام، مثبتًا أن الجمهور المصري يتجاوب سريعًا مع أي محتوى يليق بقيمه وتاريخه.

وهكذا، يثبت «دولة التلاوة» أن الإعلام قادر على الارتقاء بالوعي والذوق إذا أحسن تقديم رسالته. لقد أعاد البرنامج الاعتبار لصوت القرآن كفن رفيع، وأثبت أن مصر — وستظل — دولة التلاوة، وأن جمهورها وفيٌّ لصوت الحق والجمال أينما وجد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights