ثقافة وفن

سيدة الشاشة

بقلم/ زياد تامر

يقول راوٍ :
في القصة عَبْرة تنوء بكلاسيكيات الدراما، مشحونة بعواطف قلّما وُجدت، فأين لنا بمثلها؟ :
في عامٍ من أعوام الدهر
في شهرٍ من أشهر الغيب

اليوم أول يوم يفيق فيه من غيبته، لم تكن غيبة مرض أو نوم بل غيبة خيبة وكل أمل راوده و خلى به ثم ولّى، انتبه إلى الظلمة السائدة في الغرفة، توجه بلا وعي تحت حكم العادة وفتح الستائر؛ هاله النور رغم حجوب الشمس خلف غيمة عابرة.

رغم البطاطين والنوافذ المغلقة؛ إعتراه برد شديد ورجفة هائلة، لا يدري أمن برد شباط أم من خواء روحه؟!

رنا للحديقة البسيطة أمامه؛ تراءى له شبحه و تراءى له طيفها. ودون تحكم في أفعاله راح يشغل المسجل القديم، بدأت الألحان في الإنسياب بمرح مبشرة بسعادة قادمة. تأهب للسماع كما تتأهب فيروز للغناء في زمنٍ موازٍ.

هنا كان آخر لقاء في تلك الحديقة، كان نعم الأخ! كم من الأعوام قضوها! بعد هذا اللقاء لم يره مرة أخرى؛ بلى كانت هناك لقاءات عدة تلت ذاك اللقاء الأخير ولكن مع شخصٍ آخر بات لا يعرف شخصه!

هنا فى زمن ما ضم أحدهما الآخر.
– نعم الصديق أنت!
= ونعم الأخ أنت!
رنا إليه صاحبه وفي عينيه شيء كالأسف، ضمّه مرة أخرى واستأذن فى الذهاب، صعد وفي عين الغرفة فتح الستار وأرسل ناظريه إلى صديقه وهو يعبر الحديقة.

أين ذهبت المحبة وكيف وهنت العشرة؟!
كم من الكِبَر اعترى رفيقه! صار واثق الخطوة، فخور الكبرياء، نفر منه وحكم عليه أنه لم يعد صالحاً لأي صداقة قد تربط بينهما فهان الود!

“سألوني الناس عنك يا حبيبي
كتبوا المكاتيب و أخدها الهوا
بيعز عليّ غني يا حبيبي
و لأول مرة ما منكون ســـوا”

أول مرة حين أقبل وحيداً رأى الدهشة في أعين الناس. سأله أحدهم ساخراً: أين خِلك؟ و سأله آخر: أين أخوك؟
ولم يحر جواباً. ماذا يجيب؟ قد تكبر! لم أعد صالحاً لصداقته!
لم يجب سوى: سيعود قريباً فقط أمهلوه وقتاً.

“سألوني الناس عنك سألوني
قلتلهن راجع أوعى تلوموني
غمضت عيوني خوفي للناس
يشوفوك مخبا بعيوني
و هب الهوا وبكاني الهوى
لأول مرة مـــا منكون ســوا”

بلى، وهبّ الهوى بعد فراق، فى العتمة التي تلت غياب صديقه ظهرت كالملاك ينير حياته. كل صدفة حياة تتجدد وتتجسد، وكانت صدفتها ألف حياة جديدة لا أول لها ولا نهاية بعدها.
حين أخذ رقمها أسماها ~ سيدة الشاشة. فكم كانت تشبه فاتن حمامة!

ملكتْ أدوار قلبه وأدت بطولة حياته، كانت الأولى وإسمها يسبق إسمه على كل أفيش يتصدر إلى الناس، كم من التصفيق هيئ إليه أنه يسمعه!

في يوم أصابته الحمى وغاب عن المشاهد والجمهور، كان وحده لا عون له فى بيته، صحى بعد هذي ووجد قماشة مبتلة على جبينه، ورأسها مائلٌ على الكرسي قبالته.
نادى إسمها بوهنٍ وقد ظنها بعض من هذيان الحمى. لبّت ندائه بلهفة وأدرك أنها حق حين مسّت يدها جبينه.
حمدا لله على سلامتك.
– ماذا تفعلين هنا وكيف دخلت؟!
اعترفت له أنها يوماً نسخت نسخة من مفاتيحه في غفلة منه وحين غاب أياماً شعرت بقلبها يتلوى حين هاتفته مراراً ولم يُجِب ولم تتورع عن استخدام المفاتيح.
قد تجد في تصرفي شذوذاً ولكن صدقني وحده جنون الحب ما سيطر عليّ.

“طل من الليل قال لي ضوي لي
لاقاني الليل و طفا قناديلي”

سألها مستنكراً: ألم تخشى الناس والقيل؟
قالت اللا بأس فقد أحضرتْ (سحاب) معها.
إنتبه إلى أن سحاب نائم بجواره يخرخر بهدوء، حينها صدقتْ همته في الزواج منها حين براء، مضت ساعات ثم حثّها على الذهاب أن بات أحسن حالاً، أبت ولكنه أصر، أمسكت يده بحنو قائلة: معك (سحاب) يؤنس وحدتك إلى أن أعود، إلى لقاء قريب.
رحلت.

تحامل على نفسه وقام وفتح ستار النافذة ورآها تلتف في معطفها اتقاءا للبرد، ولم ينتبه إلى أنه يبكي! بكى ناظراً لكتفيها وشعرها الكستنائى المموج مسدل على ظهرها. رحلت. ولم تعد.

“و لا تسأليني كيف استهديت
كان قلبي لعندك دلـيـلي
و اللي اكتوى بالشوق اكتوى
لأول مرة ما منكون سوا”

لم تعد، وسار في الطرقات يسأله الناس أين شريكتك للممات؟!
ماذا يخبرهم؟!
صُرعت في حادث! شاب أهوج يلعب بسيارة والده صدمها أثناء سيرها؟! ولا يذكر إذا كان قد حوكم أم تركوه يصدم آخرين غيرها!

حاول أن يعيش، ولكن صدمتان، ضربتان، كانتا عليه ضرباً من العبث الكوني.
إنتبه إلى سحاب وهو يموء متمسحاً في ساقيه، حمله وذرف العبرات على الشاهد الأخير على وجودها، أمازلتَ تذكر صاحبتكَ أم تراك نسيت؟
لابد وأنه جائع فلم يأكل منذ أيام.

من النافذة رأى طيفها في برد شباط يمشي ملتفا بمعطفه ناشداً الدفء، تمتم برجاء: بالله عليكِ استديري! أنيري شاشات حياتي بحضورك!
ولم تلتفت سيدة الشاشة.
وغاب من جديد.

الدليل نيوز عشان البلد والناس

لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.

انضم إلى مجتمع الدليل نيوز

استكشف أقسامنا الرئيسية:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights