حضارة وتاريخ

شامبليون بطل فك الطلاسم… وشريك في تهريب الآثار

(الحلقة السادسة عشرة من سلسلة "تهريب الآثار المصرية")

بقلم: د. قاسم زكى (ضمن سلسلة “تهريب الآثار المصرية”)

نعم حديثنا سيكون عن “شامبليون”، عالم ومؤسس علم المصريات (Egyptology) بفكه رموز اللغة المصرية القديمة “الكتابة الهيروغليفية” في الربع الأول من القرن التاسع عشر (1822م) التي مكنت كل من تلاه التعرف على مكنون أسرار أعرق حضارات الكوكب. لكن لماذا نضع شامبليون في تلك السلسلة التي ربما لا تسعد محبيه (وأنا واحد منهم). انه التاريخ الذي يجب أن يتغاضى عن عاطفة الحب أو البعض لمن يُؤرخ له. سوف نرى مع توالى سطور هذا المقال، هل كان لشامبليون دور في تهريب الآثار المصرية للخارج أم لا، إذن علينا أن نذكر بالفخر إنجازه الأول في كشف أسرار الهيروغليفية، ثم بعد ذلك نستطلع بقية أسراره مع الآثار المصرية.شامبليون

بطل فك الطلاسم

عن سيرة ذلك الرجل “شامبليون ” (جان فرانسوا شامبليون”؛ Jean-François Champollion؛ 23 ديسمبر 1790م-4 مارس 1832م)، عالم المصريات الفرنسي، والأستاذ الجامعي، واللغوي، وعالم الآثار، والفيلسوف، وعالم النفس، والمؤلف، والباحث في تاريخ العصور الكلاسيكية. توصل لمعرفة فك شفرة الكتابة الفرعونية، ولكن له دوره الهام في حشد متحف اللوفر بأكثر من تسعة ألاف قطعة آثار مصرية نهبها تجار الآثار من مصر؛

بل قام هو بزيارة لمصر استمرت 16 شهرا، ولم يعد خال الوفاض، فقد احضر معه عشرات القطع الأثرية المصرية ليزيد بها محتوى اللوفر. فكك شامبليون رموز اللغة المصرية القديمة بعد استعانته بنص حجر رشيد الذي كان قد اكتشف أثناء الحملة الفرنسية على مصر. نُقش على الحجر نص واحد بلغتين وثلاث كتابات، تمكن شامبليون من خلال المقارنة بينهم أن ينجح في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية.

دور شامبليون في تهريب الآثار المصرية

ولو تحدثنا عن دور شامبليون في المساعدة بشكل أو بأخر في تهريب الآثار المصرية للخارج، لعل الدور الذي قام به في التوصية بنزع مسلة الأقصر ونقلها إلى ميدان الكونكورد بباريس يكفي للدلالة علي دوره المشين، وهذا العمل ليس الوحيد في سجل سَوْءات شامبليون تجاه أثارنا في مصر (بالطبع من وجه نظرنا)؛ فهناك الكثير الذي قام به للمساعدة في تهريب القطع الأثرية، كما فعل هو بنفسه، أو بمساعدة المهربين بشراء ما ينهبونه من مصر؛

آلاف القطع الأثرية المصرية الفريدة نزحت من أرض المحروسة إلى بلاده، وخاصة إلى متحف اللوفر، والتي قدرت بحوالي تسعة آلاف قطعة أثريه هامة. قبل إنشاء الجناح المصري في اللوفر، كان شامبليون يحاول كسب الرأي العام لصالحه من أجل الاعتراف الكامل بالفن المصري القديم، فحاول قدر استطاعته أن يُحضر روائع هذا الفن إلى باريس، وذلك كي يقنع المسؤولين الفرنسيين بجمال وعظمة الحضارة المصرية القديمة.

شراء الآثار المصرية من اللصوص

ففي العام 1824م، فوض متحف اللوفر المسيو شامبليون لشراء مجموعة “دوران” التي بلغ عدد قطعها حوالي 2149 قطعة أثرية مصرية، لتصبح بحق أولى مجموعات الآثار المصرية الضخمة التي تدخل اللوفر بالإضافة إلى حوالي 1225 قطعة من التمائم والفنون الصغرى والمومياوات والأواني والحلى؛ كما اشتملت المجموعة على العديد من التوابيت المميزة والمعروفة بـ”توابيت دوران”، ولوحات “سنوسرت”، و “أوزير – رع”، والتمثال النادر لـ”مرى آمون”، والتماثيل الصغيرة لـ”آمون – إم – أوبت”، و “تامروت”.

فيما بعد اكتشف شامبليون وجود مجموعة ضخمة معروضة للبيع في “ليفورنو” في إيطاليا، جمعها قنصل بريطانيا العام في مصر في الفترة من 1815 – 1827م مستر “هنري سولت”، الذي كان أعظم ناهبي الآثار المصرية. ضمت المجموعة تماثيل ضخمة ونقوش جميلة؛ لم يوفق المتحف البريطاني في شرائها لغلو ثمنها. علي الجانب الأخر، شحذ شامبليون فصاحته، واستخدم ملكاته الخاصة للتأثير على شارل العاشر وحثه على شرائها، مما شجع شارل العاشر فأصدر مرسوماً ملكياً بالشراء على الفور في 23 فبراير 1826م بمبلغ 10 آلاف جنية إسترليني.

وكوفئ شامبليون على جهوده تلك بتعيينه أميناً عاماً للجناح المصري الجديد في اللوفر في 15 مايو 1826م. مجموعة “سولت” هذه كانت من الضخامة بحيث اشتملت على 4040 رقم دخول، وكانت من الروعة والتنوع بشكل تصعب معه المفاضلة بينها، ومن أبرز محتوياتها، تمثال أبو الهول الضخم من تانيس في شرق الدلتا المصرية، والذي يُعد من أبرز معالم الجناح المصري في اللوفر.

وتمثل مجموعة “سولت”، في عمومها، لوحة بانورامية شديدة التفاصيل لفنون وخصائص الحضارة المصرية القديمة. كان العام 1827م، موعدا مع مجموعة آثار مصرية ثالثة لتدخل متحف اللوفر على يدي القناص “شامبليون”. فقد عُرضت المجموعة الثانية للقنصل “دروفيتي” للبيع على اللوفر، فبذل شامبليون مجهودات مضنية ليحصل عليها للجناح المصري بأي شكل وبأي ثمن، وتمت عملية البيع يوم 11 أكتوبر 1827م. وتسلم شامبليون الكنوز مشتملة على روائع الذهب والفضة، وكأس رمز المعرفة والحكمة المصري المعبود تحوت، ودخلت البقية الباقية اللوفر في سبتمبر 1828م.

السفر الى مصر وجلب آثار مصرية للوفر أيضا

بعد المجموعات المصرية الثلاث التي سكنت اللوفر ودعمت أركانه، أراد شامبليون أن يزيد محتوى القسم المصري باللوفر أكثر فأكثر (هل من مزيد؟). فعزم هذه المرة أن يقوم بنفسه بهذه المهمة. جاء شامبليون إلى مصر وعمره 37 عاما، على رأس “البعثة الفرنسية – التوسكانية”، حيث كانت بعثة مشتركة برئاسة علمية من قبل شامبليون ممثلًا عن الحكومة الفرنسية وصديقه العالم الأثري الإيطالي “إيبوليتو روسيلليني”(Ippolito Rosellini، 1800م-1843م) مساعدًا له وممثلًا عن الحكومة التوسكانية (إيطاليا)،

إذ تشاركت الحكومتان تكاليف ونفقات البعثة، فقد كانوا على يقين أن محمد علي باشا سيرحب بها بما كان معهودًا عنه من حسن الكياسة والدبلوماسية، ورغبة في ارتفاع شأنه لدى الأوربيين بصفته راعيًا للفنون والآداب. مكثت الحملة من 1828م – 1829م، في مصر، وعاد شامبليون محملا بكنز ثمين من الآثار المصرية قُدِّر بأكثر من مئة قطعة مدهشة، اشتملت على التابوت البازلتي الأخضر الزاهي للكاهن “جدحور”،

والنقش الرائع البارز للملك سيتي الأول والد الملك رمسيس الثاني، والمعبودة حتحور من معبده في أبيدوس في صعيد مصر الخالد، والتمثال الأعظم للملكة الإلهية “كاروماما” من الأسرة 22، والمنضدة العاجية الشديدة الجمال للملك بيبي الأول من الأسرة السادسة، وأجزاء من أساسات معبد الدير البحري للملكة حتشبسوت في البر الغربي لمدينة الأقصر. والان لك أن تحكم عن دور شامبليون في تهريب الأثار المصرية للخارج.

وأخيرا النهاية

وبعد حياة قصيرة لم تتجاوز الواحدة والأربعين عاما، توفي جان- فرانسوا شامبليون، ذلك في 4 مارس 1832م، تلك الحياة القصيرة كانت حافلة بالعطاء لبلده فرنسا (على حساب بلدنا مصر)، وكانت مليئة بالجمع المتواصل لآثار مصر، تاركاً الجناح المصري في اللوفر عامراً بأكثر من تسعة آلاف قطعة أثرية متنوعة. لكنه تعرض من بعده للإهمال والتدمير، فعثر على نقش الملك سيتي الأول سالف الذكر مهشماً في التراب. لكن فيما بعد توسع الجناح المصري باللوفر ووصل عدد القطع المصرية به حاليا أكثر من 55 ألف قطعة، بل له ابن شرعي أخر “متحف” به آثار مصرية أيضا يدعى “لوفر أبو ظبي”.

الدليل نيوز عشان البلد والناس

لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.

انضم إلى مجتمع الدليل نيوز

استكشف أقسامنا الرئيسية:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights