ليبسيوس… الرجل الذي نهب النيل ليصنع مجد برلين
(الحلقة السابعة عشر من سلسلة تهريب الآثار المصرية)

بقلم: د. قاسم زكى (ضمن سلسلة تهريب الآثار المصرية)
أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،
عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر
كان الملك “فريدرش فيلهلم الرابع” (1795م- 1861م) ملك بروسيا (المملكة التي قادت حركة الاتحاد الألماني)؛ واحد ممن أُغرِموا بالحضارة المصرية القديمة. فقد أثرت فيه كتابات بعثة نابليون بونابرت وتقارير وأبحاث وكتب شامبليون ونظرائه من المستشرقين، مما دفعه لإيفاد بعثة كشفية كبيرة إلي وادي النيل مدتها ثلاث سنوات كاملة (1842م – 1845م) برئاسة عالم الأثار الألماني “كارل ليبسيوس” (Karl Richard Lepsius؛ 23 ديسمبر 1810م – 10 يوليو 1884م). وتم تشكيل الحملة على غرار البعثة العلمية المرافقة لنابليون (1798م-1801م)، من العلماء والمساحين والرسامين وغيرهم من المتخصصين. وكانت واحدة من البعثات الأكثر تجهيزاً. كان هدفها المعلن هو “تسجيل كل الصروح المتوفرة التي يمكن رؤيتها، والتنقيب والجمع للـ “الآثار الجميلة واللافتة للانتباه من الفترة الفرعونية وجلبها كمقتنيات إلى متحف قلعة “مونبيجو” في برلين”.
الدكتور كارل ليبسيوس:
هو أحد الآباء المؤسسين لعلم المصريات والعملاقً بين أوائل علماء الآثار في العالم. زار مصر ثلاث مرات وقضى بها ما يقارب من الأربع سنوات منها ثلاث سنوات متصلة (بعثة الملك “فريدرش فيلهلم الرابع). وقبل هبوطه لمصر المحروسة اعد نفسه جيدا لما هو مقدم عليه، فقد درس كل ما كُتب عن مصر القديمة، بل زار كل ما اقتنته أوروبا من قطع أثرية مصرية،
وحصل على الدكتوراة في علوم المصريات. لذا حين زار مصر ساح في كل أرضها، وجمع كم من المعلومات جعلت منه واحدا من أكثر ممن عرف عن حضارة مصر ومكنته من عمل موسوعات وكتب وأبحاث ضخمة عن مصر. لكنه حين عودته لبلده المانيا، حمل معه من مصر أكثر من 15 ألف قطعة أثرية مصرية تعرض حاليا في متاحف المانيا.
خط سير بعثة ليبسيوس:
بدأت البعثة أول ستة أشهر في استكشاف آثار الجيزة وأبو صير وسقارة ودهشور. وتم عمل دراسة كاملة لأهرامات مصر واكتشفوا 67 هرما جديدا سجلت لأول مرة في قائمته الشهيرة للأهرامات، وأكثر من 130 مقبرة للنبلاء في ذات المنطقة. تعد تلك القائمة واحدة من اهم إنجازات البعثة البروسية، بل ربما أقدم عمل منظم في هذا المجال. في مايو 1843م، استقرت البعثة في الفيوم بالقرب من بقايا المتاهة (هرم أمنمحات الثالث)، حيث مكثوا هناك لعدة أشهر، وقاموا بحفريات كثيرة،
ووضعوا المخططات التفصيلية الأولى لذلك المعبد. وفي طريقهم الى جنوب مصر، توقفوا لفترات طويلة في مواقع مهمة في مصر الوسطى، مثل بني حسن الشروق ودير البرشا (بمحافظة المنيا حاليا) وأبيدوس وقنا والأقصر وغيرها. وحين وصلوا إلى معبد أبو سمبل درة الحضارة المصرية، قامت بعثته بإعادة رفع الرمال من حوله وتنظيفه (خلال زيارتهم له في فترة بعثتهم 1843م). ووصلت بهم التنقيبات إلى شمال وشرق السودان الشقيق.
لقد وضع بصماته على اهم مفردات الآثار المصرية القديمة ومنها ما يعرف “بكتاب الموتى”. ففي الواقع أنه هو من صاغ عبارة “Totenbuch” باللغة الألمانية، وتعني كتاب الموتى.
إثراء متحف برلين:
لقد ساهم في إثراء متحف برلين خاصة الجزء المتعلق بالقطع الأثرية المصرية. أُنشأ هذا المتحف عام 1828م، ويضم واحدة من أكبر المجموعات الأثرية المصرية بالخارج وعلى راسها تمثال رأس الملكية نفرتيتي. بل وتمثال الملكة الفرعونية الشهيرة “تي” و”رأس برلين الأخضر” وعلامات تقدم الفن والبرديات يعود تاريخها لأكثر من 5000 عام حين تم اكتشافها في مصر والسودان.
وذكرت المقدمة التعريفية للمتحف عبر موقعه على الإنترنت أن البعثة البروسية تلك التي سافرت إلى مصر والسودان في 1842م-1845م، واستقبلت حوالي 1500 قطعة مهمة كهدية من محمد علي باشا (؟). بل البعثة عثرت على هذا الكم من القطع الأثرية المصرية (وأكثر)، ومحمد على باشا لم يتوان في الموافقة على تصديرها (تهريبها) معهم الى ألمانيا.
وتشير المقدمة أيضا أنه تم بناء متحف نيو” (Neues Museum) أي “المتحف الجديد”، خصيصًا للآثار المصرية في عام 1850م. ونمت المجموعة في السنوات التالية بسبب المشتريات والهدايا والحفريات. حيث تمت أهم أعمال التنقيب في السنوات من 1911م إلى 1914م في تل العمارنة، ومازالت التنقيبات مستمرة حتى اليوم.
محتويات متحف برلين المصري:
هنا نتجول في هذا المتحف مستعرضين اهم القطع الأثرية المصرية التي جلب اغلبها ليبسيوس معه من مصر إبان بعثته الكبرى (1842م-1845م).. فقد أخذ آلاف القطع الأثرية، لم يقتصر الأمر على قطع أثرية صغيرة، بل شمل أيضًا قطعًا ضخمة مثل تماثيل وأجزاء من معابد. وبردية وستكار، وهي تحتوي على نصوص دينية وأدبية. وكذا رأس تمثال أمنحتب الثالث، وساعة شمسية من عصر الملك تحتمس الثالث وكتاب الموتى للسيدة (نيفيريني) بالفترة من القرن الرابع إلى القرن الأول قبل الميلاد. وتمثال جالس للإلهة سخمت من فترة الملك “أمنحتب الثالث” من معبد “الكرنك”. والقائمة الملكية من قبر خابشنت “أو شابكنيت” من بقايا المملكة الحديثة من منطقة دير المدينة.
كذا تابوت عنخ حور (حوالي 664-332 ق. م)؛ من صخور “الجرانوديوريت”، جُلبت من ممفيس. وقيثارة كبيرة (حوالي 1550-1292 ق.م)، من منطقة الفيوم. وتمثالان مميزان لحيوان فرس النهر؛ المملكة المصرية الوسطى مصنوعان من مادة القيشاني. ونموذج لمخزن الحبوب (الأسرة 12)، ورأس برلين الأخضر (حوالي 350 ق. م.)، وتماثيل الأشوابتي من تاميت وشونسو (الأسرة 18 و20). وتمثال أمنحتب الثاني (حوالي 1420 ق.م)، مصنوع من “الكوارتزيت”، جُلب من شمال السودان. ونموذج لقارب تجديف مع الطاقم (الأسرة 12) من طيبة الغربية. وتمثال رائع للملكة “تي” مع تاج من ريشتين؛ (المملكة الحديثة؛ الأسرة 18) صنع من الخشب والفضة، والذهب، وتطعيمات القيشاني. وأيضا رأس تمثال لأخناتون من تل العمارنة.
تكريم العالم ليبسيوس والوفاة:
نظرا للأنشطة العديدة التي قام بها في حياته، فقد كرمته المانيا ومعظم الدول الأوربية وأمريكا، منها منحه وسام “النسر الأحمر” الألماني، وعضوية ارقي الأكاديميات العالمية.
من الطريف أن زار مصر للمرة الأخيرة في عام 1869م ليشهد حفل افتتاح قناة السويس. حين بلغ من العمر 73 عاما كان يعاني من قرحة المعدة التي أصبحت سرطانية المسلك، توفي في التاسعة صباحً يوم 10 يوليو / تموز 1884م، في مدينة برلين، حيث ورى جثمانه الثرى هناك.
الجدل المستمر حول هذه القطع الأثرية:
حتى يومنا هذا، لا يزال هناك جدل حول ملكية هذه القطع الأثرية. تطالب مصر باستعادة هذه الآثار، معتبرة أنها جزء لا يتجزأ من تراثها الثقافي. من ناحية أخرى، تدافع ألمانيا عن حقها في الاحتفاظ بهذه القطع، معتبرة أنها جزء من تراثها الثقافي أيضًا وحصلت عليها بشكل قانوني.
الدليل نيوز عشان البلد والناس
لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.
انضم إلى مجتمع الدليل نيوز
استكشف أقسامنا الرئيسية:
أخبار الرياضة • أخبار الاقتصاد • الأخبار العاجلة



