حضارة وتاريخسلايدر

مارييت باشا… اللص الذي أصبح حارس كنوز مصر

(أشهر لصوص الآثار المصرية ١٨)

في واحدة من أكثر القصص إثارة للجدل في تاريخ الآثار المصرية، يسلط الدكتور قاسم زكي الضوء على شخصية أوجست مارييت، محللاً مرحلة مارييت باشا وتهريب الآثار التي نهب فيها كنوز مصر، قبل أن يتحول بشكل مفاجئ إلى الحارس الأمين عليها ومؤسس أول متحف مصري.صورة تجسد قصة مارييت باشا وتهريب الآثار

أوجست فرديناند فرانسوا مارييت (1821م-1881م) عالم آثار ومصريات فرنسي متعدد المواهب، ويعد أحد أشهر الأجانب الذين ارتبطت حياتهم بآثار مصر. الصدفة لعبت دور في عشقه لعلم المصريات حين شارك في جرد ميراث ابن عمه المتوفي عالم المصريات، وعلى أثرها انضم إلى متحف اللوفر في باريس 1849م، وفى السنة التالية سافر إلى مصر موفدا من الحكومة الفرنسية بمهمة رسمية بغرض البحث عن أفضل المخطوطات القبطية والسريانية والعربية والإثيوبية وشرائها لضمها في مجموعة بمتحف اللوفر.

وصل مصر في عام 1850م، وبدأ فورا في مهمته لتسجيل وزيارة بعض الأديرة القبطية، وشراء بعض المخطوطات القبطية القديمة. ولما وصل إلى الإسكندرية التقى ببطريركها ليساعده؛ ولكنه كان يبغض الأجانب بعدما استطاع أجنبيان قبل هذا التاريخ خداع عدد من القساوسة ونهب مكتبة قبطية تراثية كاملة، ولذا رفض البطريرك التجاوب مع مارييت، مما دفعه نحو تغيير مساره.

مارييت وتغيير المسار: بداية عهد اللصوصية

وتجنبا للعودة المحرجة خالي الوفاض إلى فرنسا، قام بتغيير خطته إلى البحث عن الأثار القديمة، وقام بزيارة قبيلة بدوية والتعرف عليها، وقادته القبيلة إلى سقارة حيث الكثير من الأثار المدفونة. واستهوته آثار مصر فعكف على التنقيب، وأجرى حفائر عظيمة حتى كشف مدفن العجول المقدسة (السرابيوم)، ونقل إلى فرنسا كثيراً مما عثر عليه من العاديات واللوحات الأثرية. ذكر “بيتر فرانس” (أكاديمي بريطاني) أن مارييت كان يشترى آثار مزيفة يصنعها مصريين محترفين ويقوم بتسليمها بمحاضر تسليم رسمية للحكومة المصرية على آنها آثار مكتشفة ليظهر بمظهر الرجل المخلص الأمين.

بل يذكر بعض الأثريين المصريين عنه أنه وحده أرسل إلى فرنسا حوالي ستة الى سبعة آلاف قطعة أثرية من جبانة سقارة، فما بالنا بالمناطق الأخرى، حتى نعلم مدى الخسارة التي ألحقتها هذه الشخصية بالتاريخ المصري القديم. فمارييت أخرج من مدافن العجل المقدس أبيس وحدها ألف لوحة وتماثيل العجل أبيس الأندر في الحضارة المصرية القديمة كلها، وتماثيل الإله “بس” رمز المرح والضحك، ومئات من تماثيل الأوشابتي. وخلال عمليات نقل الأثار المستمرة من السرابيوم، اكتشف مارييت عدداً من المقابر من عصر الأهرام. وفى إحداها عثر على تمثال الكاتب المصري الجالس الشهير، أحد أبرز معالم متحف اللوفر من عصر الأسرة الخامسة، وتزين كل هذه الأثار متحف اللوفر الآن.

مارييت باشا وتهريب الآثار

وبناءا على توصية الحكومة الفرنسية، عين والي مصر “سعيد باشا” سنة 1858م”مارييت” مأموراً لأعمال العاديات (الأثار) بمصر وكلفه بإنشاء متحف للأثار المصرية المكتشفة. ورغم ذلك، لم تتوقف قضية مارييت باشا وتهريب الآثار عند هذا الحد، فاستمر متحف اللوفر في استقبال آثار مصرية عديدة. ودعمه فيما بعد أيضا الخديوي إسماعيل باشا (حكم مصر 1863م-1879م) مما ساعده للقيام بعديد من الاكتشافات الأثرية المهمة، بجانب مساهمته القيمة في نشر فهم الحضارة المصرية. ويُعتبر مؤسس علم المصريات الحديث، ويحسب له إنشاء أول متحف آثار في مصر (متحف بولاق عام 1863م)؛ وتنظيم مصلحة الأثار المصرية.

انتقادات لأعمال مارييت في مصر

يوجه كثير من الأثريين بعض النقد الحاد لأعمال مارييت في التنقيب عن الأثار. فيذكرون انه في المجمل العام، كانت مكتشفات مارييت باشا غزيرة وعظيمة، لكن وفرة الإنتاج صاحبها إتباع أساليب متخلفة في الحفر وإهمال جسيم وفقر في معلومات التسجيل. كان مارييت يسعي للحصول على أثار مظهرية تجذب وتعجب المشاهد لمعرضه، ويقدرها الوالي، ولم يتورع في استعمال الديناميت.

هل كان مارييت عنصريا ضد المصريين في مجال الآثار

ربما هناك أيضا بعض المواقف الغريبة التي تكشف الوجه الآخر لهذه الشخصية، وهي مواقفه ضد تعلم المصريين علم الآثار. فيذكر بعض الأثريين والعلماء المصريين قصة إنشاء أول مدرسة لتعليم المصريين علم المصريات على يد العالم الألماني “برجش”، لكن مارييت أصر على إغلاقها. بل كان يحرض فئات الشعب على من يعمل من المصريين في هذا المجال ويسلط عليهم أبناء الأزهر بحجة أن تلك الآثار نوع من الكفر. إن قصة مارييت باشا وتهريب الآثار لم تكن مجرد سرقة للحجر، بل كانت أيضًا محاولة لاحتكار المعرفة ومنع المصريين من دراسة تاريخ أجدادهم.

التكريم والنهاية

وتكريمًا لجهوده تم منحه لقب “باشا” من قبل الخديوي إسماعيل. ونال عديد من التكريمات في حياته وبعد وفاته، وحين دنا أجله فضل أن يموت بالقاهرة (18 يناير 1881م) وان يدفن بها، وبالفعل دُفِن جثمانه في ناووس بمدخل متحف بولاق؛ وحاليا استقرت رفاته في فناء المتحف المصري بالتحرير. كما تم تسمية أحد أهم شوارع وسط القاهرة باسمه.


الدليل نيوز عشان البلد والناس

لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.

انضم إلى مجتمع الدليل نيوز

فيسبوكيوتيوبواتساب

استكشف أقسامنا الرئيسية:

أخبار الرياضةأخبار الاقتصادالأخبار العاجلة

أخر أسعار الدولار


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights