ثقافة وفنسلايدرمنوعات

الإنسان .. حشرة مغرورة

كتب : زياد تامر

منذ أُلقي الإنسان على تلك الأرض البرية وهو يصارع لإشباع غريزة البقاء لديه، تلك التي توراثناها على مر ملايين الأعوام والتي نشأت حين بدأ الإنسان يعي كونه حشرة وسط بيئة وحشية لا يستطيع السيطرة عليها، وبدأ الإنسان يسيطر على رعبه الأزلي بخروجه من الكهف لإستكشاف المحيط حوله، وبدأت بعده أجيال تأتي تختلط وتتفاعل وتخلق مفردات صارت حواراً فلغة، ومن ذلك الحوار بدأ الإنسان يترجم ذلك الهمس في عقله -يحثه على التفسير والفهم- إلى حديث صامت يفسر فيه ما حوله من أشياء وحيوان ونبات.

خلق الإنسان لنفسه الحيرة والفضول للبيئة حوله، فنشأ يترجم وهو يحارب للبقاء والعيش، كل ذلك نشأ من الرعب والسؤال الذي لم يستطع فهمه؛ لما أنا هنا؟

وبدأ وعي الإنسان في التطور ونقل تجاربه في جينات يتوارثها جيل بعد جيل، كل جيل له لونه من البقاء والفضول. يصير الوجود عبئاً على الإنسان ولا يحتمل تفسير قبله وبعده، وجوده من عدمه، فيخلق بعد تأمل للوجود حوله أدياناً وآلهة يلجأ إليها وهذا أروع فعلٍ إنساني ومن أسماه.

ويأتي الأنبياء كي ينبهوا غفلة البشر من غرورهم العظيم، وقد خلق الله الإنسان لأغراض احتفظ بها لذاته ولم يخبرها لمخلوق إلا غرضين؛ لعبادته ولتعمير الأرض، سخّر له الحيوان وعناصر الكون لخدمته، بدأ صغيراً هذا الإنسان وصار يتخبط حتى ملكه الغرور وسيطرت عليه لعبة الخير والشر، تلك التي بدأت مع الوجود في الصراع بين الله والشيطان.

وتصل البشرية لذروة الفكر والمنظق في حضارة اليونان وتتشعب الفلسفة ويفيض المنطق عن حدود الإنسان الفكرية التي لا تعي تنزه الخالق عن كل فكر ومادة لا يستطيع الإنسان إلا استعمالهما لتفسير الفضول.

ما الكون وما الدنيا وما هدف الوجود؟ أسئلة ظل الإنسان يرددها غروراً، فالإنسان ينسى أصله ورعبه القديم الكامن في أعماقه، يظن انه ملك العلم والكون فيسأل أسئلة ويخلق هكذا الفلسفة والمنطق ذريعة للكفر والتحرر فتأتي العبثية والفوضى.

للكون أصل وخالق وما من فلسفة تنجح في اثبات عكس ذلك مهما ازداد عمقها، كل محاولات المفكرين أصلها تخبط وانتفاخ من كثرة العظمة.

سارتر يرى الوجود موجود لأنه موجود، والأشياء والماضي من أحداث وتجارب ان هي إلا فراغ شكله الإنسان بمفرداته وصار ينفخ فيه خوفاً من الحقيقة التي هي ببساطة ان الإنسان حر لأن الوجود لا شيء لأننا خلقنا له معنى. وكامو وثنائية العبثية والعدم وغيرهما من المفكرين الذين اعتنقوا مذهب الإلحاد وآمنوا باللا إيمان. وهنا نرى عبث تلك المحاولات. فالإلحاد إيمان ومذهب بذاته، والإنسان مُصيّر ومخير مهما ادعى عكس ذلك فمثلا لحظة الموت دانية والزمن يمضي بقوانين الفيزياء وغيرها ونحن لدينا ارادة تكونت من مقومات وقوميات تأتي بأفعال قد تنفع وتضر.

وجدلية الخير والشر هي من أعمق السمات الإنسانية، فوحدهما الإختيار أو النشأة هما من براعم الوجود -والإنسان- نشأتا قبل نشأته.

كل شيء له أصل ونبع خُلق به الإنسان أو خلقه الإنسان بأداة خلقها الله له؛ العقل.

ومذهب الإلحاد هشّ مهما تمسكت به العقول، الكون بتفاصيله الصغيرة المعقدة، بتداخلاته وتبايناته، بأصغر ذرة فيه للإنسان وكمال صورته للكون الفسيح بأكوانه. كل ذلك النظام المتداخل الذي سُخّر قليله للإنسان اغتر فقال أنه موجود فحسب ولا خالق له.

نظام الخلق قائم منذ الوجود فالإنسان يخلق أدواته وفنونه وابداعاته، مثلا السيارة لم تأتي لأنها كانت موجودة أو لم تختر ان تكون موجودة بل خلقها الإنسان إذن فلها خالق، فكيف بالكون والإنسان؟

منذ قرن والإنسان يخلق ثورات في التكنولوجيا والجرائم، وكلما ازدادت رفاهية الإنسان ازدادت جرائمه، خلق السلاح الفتاك فخلق الحروب لقتل أخيه الإنسان، حروب نشأت من مذاهب سياسية وحروب حددت مصائر دول وأنهت أخرى وأعطت الحكم للأقوى. وملك السيطرة على الذرة فصنع القنابل التي قد تدمر العالم بأسره، وغروره لا يقف عند حد. وقد يأتي خطأ بسيط كي يدرك مدى تفاهة غروره كما صار في كارثة تشيرنوبل ثم وباء الكوفيد أخيراً.

وحديثي ذاك وجدته إفادة في حادثة وقعت قريباً في أحدى المدارس؛ واقعة الإغتصاب وأرهاب الأطفال. حين يتجبر الإنسان وينسى إنسانيته التي خلق بها وطور من طبيعتها، يصير كارثة كونية وهو مجرد حشرة تجبرت فألحقت ضرراً بالغاً في أطفال لا حول لهم ولا قوة وأهالٍ اغتمت لأطفالهم، صار الوجود مرعباً من خليط الجهل والجريمة، ومزيج الرفاهية والفقر، وجدلية الخير والشر.

التاريخ حافل بمثل تلك الجرائم بل أبشع منها، وتزداد كلما اغتر الإنسان وظن أنه محور الكون وإنما هو قد خلق لإعماره لا لتدمير الغير. والكون يستطيع العيش دونه بل تتحسن أحوال البيئة إذا اختفى الإنسان وقذاراته وتلويثه لما حوله.

صار العالم مرعباً ويبدو انه لا أمان هنالك، أهالٍ ألحقوا أولادهم في مدرسة دولية بمصاريف طائلة لتوفير تعليم راقٍ وحماية كافية، ونجد ان الخطر كائن طالما الإنسان يظن انه كل شيء وهو لا شيء سوى حشرة قد يهلكها أي مرض عابر أو حادث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights