أخبارعربي وعالمي

قرن أفريقي مشتعل: لماذا تدفع القاهرة بقواتها إلى الصومال في مواجهة أديس أبابا؟

يُثير إعلان وزارة الدفاع الصومالية عن استعدادها لاستقبال قوات مصرية في الصومال ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام تساؤلات عميقة حول تحول الصومال إلى ساحة جديدة في صراع النفوذ الإقليمي بين القاهرة وأديس أبابا. يأتي هذا التطور في ظل ردود فعل متباينة ورسائل استراتيجية تحمل دلالات عميقة لأمن واستقرار القرن الأفريقي بأسره. يرى محللون أن هذه الخطوة، رغم كونها جزءاً من جهود حفظ السلام، قد تكون بداية فصل جديد في ديناميكيات المنطقة. لمزيد من التحليلات حول السياسة المصرية، يمكنك قراءة مقالنا

1. الأبعاد الاستراتيجية لوجود قوات مصرية في الصومال

تعتبر القاهرة نشر قوات مصرية في الصومال خطوة استراتيجية متعددة الأوجه. فهي لا تمثل مجرد مشاركة في بعثة حفظ السلام، بل تُعد ورقة ضغط إضافية في ملف أزمة سد النهضة مع إثيوبيا، وتأكيداً على توسيع نفوذها في القرن الأفريقي والبحر الأحمر. هذه المناطق تعتبرها مصر حيوية لأمنها القومي. يهدف التواجد العسكري المصري في المنطقة إلى حماية المصالح الأمنية والاستراتيجية المصرية، وإعادة تفعيل دورها الإقليمي.

لمصر تاريخ طويل من الحضور والدعم للصومال، حيث كانت متواجدة منذ خمسينيات القرن الماضي، قبل استقلال الصومال عن الاستعمار الإيطالي. كما أرسلت القاهرة قوات حفظ سلام في التسعينيات لتأمين مطار مقديشو وحماية المساعدات الإنسانية. هذه العلاقات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف مع دول شرق أفريقيا، بما فيها الصومال، تهدف إلى تعزيز مكانة مصر ونفوذها في الإقليم المضطرب. يشمل هذا الدعم تدريب القوات الصومالية وبناء قدراتها العسكرية لمواجهة التحديات الداخلية مثل جماعة الشباب الإرهابية ومكافحة الإرهاب بشكل عام.

خبير أمني يحللان نشر قوات مصرية في الصومال وتداعياتها على العلاقات المصرية الإثيوبية وأمن القرن الأفريقي

صورة توضيحية لطائرة نقل عسكرية مصرية من طراز C-130 بلون رملي في مطار مقديشو. تظهر الطائرة وعليها علم مصر، ومحاطة بعناصر أمنية.

2. قلق إثيوبيا: تهديد للأمن القومي من وجود قوات حفظ السلام

أثارت خطوة نشر قوات مصرية في الصومال قلقًا إثيوبيًا واسعًا وردود فعل سريعة. فبينما حاول السفير الإثيوبي في مقديشو التقليل من أهمية هذه الخطوة علنًا، إلا أنه أقر بأن وجود قوات حفظ السلام قد يشكل تحديًا سياسيًا واستراتيجيًا لبلاده. تُفسر أديس أبابا أي تحرك عسكري مصري أو غيره بالقرب من حدودها كتهديد مباشر لأمنها القومي.

تنبع هذه المخاوف من عدة عوامل، أبرزها طبيعة إثيوبيا كدولة حبيسة تبحث بشدة عن منافذ بحرية، واعتمادها التاريخي على موانئ جيرانها. كما تعاني إثيوبيا من الخلافات الإقليمية الحدودية المستمرة مع السودان في منطقة الفشقة، ومع إريتريا في بدمي، ومع جيبوتي بسبب إقليم العفر، ومع الصومال حول إقليم الأوجادين، إضافة إلى مشاكلها الحدودية مع كينيا. إثيوبيا تشهد أيضًا نزعات انفصالية داخلية في 83 قومية، مما يزيد من تعقيدات المشهد الأمني.

وقد أشار الخبير في شؤون الأمن القومي المصري، الدكتور محمد عبد الواحد، إلى وجود شكوك إثيوبية غريبة تجاه مصر، ورغبة أديس أبابا في امتلاك ميناء على البحر الأحمر، وهو ما لا تعارضه القاهرة تاريخياً. لكن سلوك إثيوبيا العدائي الأخير، بما في ذلك استخدام المياه كورقة ضغط على دول الجوار من خلال سدود على النيل الأزرق وأنهار أخرى، أثار قلقاً كبيراً لدى القاهرة. هذا السلوك الإثيوبي باستخدام الموارد المائية كأداة ضغط يهدد استقرار المنطقة بأسرها. اطلع على تاريخ وتحديات أزمة سد النهضة

3. مصر وإثيوبيا: جذور تاريخية للخلاف وأفق للتعاون

إن تاريخ الخلافات الإقليمية بين مصر وإثيوبيا يعود لأكثر من 800 عام، وتحديداً منذ فترات الحروب الصليبية، وهو تاريخ لم يهدأ تماماً حتى الآن. على الرغم من هذا التاريخ المعقد، مصر لا تسعى أبدًا للتصعيد مع إثيوبيا، وتفضل الحفاظ على علاقات طيبة وتعاون مشترك في كافة المجالات، بما في ذلك التعاون في ملف مياه النيل.

تصر القاهرة على التوصل لاتفاق ملزم يضمن حصص مصر المائية التاريخية من النيل، والتي تعتمد على 85% من مياه النهر القادمة من الهضبة الإثيوبية عبر ثلاثة فروع رئيسية: السوباط، النيل الأزرق، وعطبرة. كما أن الأمن القومي المصري يتأثر بشكل مباشر بأي اضطرابات في القرن الأفريقي الذي يعد من أكثر الأقاليم تعقيداً في العالم. مصر حريصة على تحقيق التنمية لدول حوض النيل دون المساس بحقوقها التاريخية في المياه.

في الختام، يظل المشهد الإقليمي معقدًا، مع خطوة الصومال باستقبال قوات حفظ السلام المصرية التي تؤكد على السياسة الخارجية لمصر التي تسعى للاستقرار. تتأرجح العلاقات المصرية الصومالية بقوة لدعم الشرعية في مقديشو، بينما تراقب مصر وإثيوبيا التطورات بحذر، في انتظار ما ستؤول إليه أزمة سد النهضة وتأثيرها على استقرار المنطقة. اكتشف المزيد عن التعاون المصري الأفريقي ودوره في التنمية

انضم إلى متابعينا وكن أول من يعلم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights