سلايدرمنوعات

حين ينكسر القلب.. يولد الأمل من جديد

بقلم / ا.د / إبراهيم حسيني درويش

أستاذ المحاصيل وكيل كلية الزراعة السابق بجامعة المنوفية

الأمل من جديد

الحياة ليست طريقًا مستقيمًا
الحياة يا صديقي ليست لوحة وردية مرسومة بعناية كما نتمنى، بل هي خليط عجيب من الألوان: فيها فرح وبكاء، نور وظلام، عطاء وحرمان. نخطط كثيرًا فنفاجأ أن الرياح تأخذنا في اتجاه آخر. لكن في خضم كل هذا نتعلم أن القوة الحقيقية ليست أن نحيا بلا جراح، بل أن ننهض بعد كل عثرة، نبتسم بعد كل دمعة، ونؤمن أن ما كتبه الله لنا هو الخير كله، حتى وإن لم ندركه في حينه.
قال الله تعالى:﴿وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216]…بهذا اليقين نُدرك أن البلاء منحة مقنّعة، وأن وراء الألم أملًا ينتظر أن يشرق.

المواقف تصنعنا وتكشف حقيقتنا

كل موقف يمر بنا يترك بصمته في قلوبنا. قد يكون موقفًا جرحك وأسال دموعك، لكنه في النهاية ساهم في بناء شخصيتك، وصنع منك نسخة أقوى وأكثر وعيًا.يقول الإمام علي رضي الله عنه: “لا يعرف المرء حقيقة أخيه إلا في ثلاث: في غضبه، وفي سفره، وفي ماله”…وهكذا فإن المحن تكشف معادن الناس، وتفضح المزيف من الصادق. ربما تظن أن انكسارك هو نهايتك، فإذا به البداية لرحلة وعي جديدة، تعيد فيها رسم حدودك مع الآخرين، وتتعلم أن الثقة المطلقة لا تكون إلا بالله وحده.

شهد النحل وسموم العقارب

الدنيا ليست لونًا واحدًا؛ إنها مزيج من الحلاوة والمرارة. ففيها لحظات لقاء تسعدك، وفيها فراق يُدمي قلبك. قد تجد يد الغريب تُمسك بك عند سقوطك، بينما يتخلى عنك القريب الذي ظننت أنه سندك.

قال رسول الله ﷺ:”إنما الدنيا لأربعة نفر… ورجل رزقه الله مالًا ولم يؤته علمًا فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل” [رواه الترمذي].
الدنيا ليست بما تملك من مال أو جاه، بل بما تزرع في القلوب من أثر طيب، وبما تخلفه من بصمة خير بعد رحيلك.

خيبات الأمل لا تُشترى

من أقسى التجارب أن تتوقع الوفاء من أحدهم فلا تجد إلا خذلانًا. لكن، أليست هذه أعظم مدرسة؟!
فخيبة الأمل تُعلّمك أن قلوب الناس بيد الله، وأن أوفى طريق هو أن تُعلّق قلبك بربٍ لا يخيب. قال الإمام الشافعي: “اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها”.
إذن، نحن نحسن لأننا أهل إحسان، لا لأن الآخرين يستحقون. فكم من علاقة توقعنا منها السند، فإذا بها درس قاسٍ في الحذر. وكم من خيبة جعلتنا نعيد ترتيب حياتنا، ونفهم أن الكرامة الحقيقية أن نصون أنفسنا ممن يستهين بها.

بين الصبر والرضا

الصبر جميل، لكنه نصف الطريق فقط. الرضا منزلة أسمى وأرقى.
الصبر أن تتحمل الألم، أما الرضا فهو أن تحتضنه وتبتسم له، مؤمنًا أن ما كتبه الله لك لا يمكن أن يكون إلا خيرًا.
قال رسول الله ﷺ:”عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” [رواه مسلم].هكذا يعيش المؤمن مطمئنًا، يرى الخير في كل حال، لأنه على يقين أن ربه أرحم به من نفسه.

الحكمة في وضع الحدود

أحيانًا يكون العلاج الوحيد أن تضع حدودًا واضحة مع من يرهقون قلبك.فالقرابة لا تعني أن نسمح بالإيذاء، والحب لا يعني أن نسلم أنفسنا للخذلان. قال الله تعالى:
﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم: 6].ومن وقاية النفس أن نحميها من كل علاقة تسرق سلامنا الداخلي.
وقد قيل: “من أكرمك فأكرمه، ومن استهان بك فأكرم نفسك عنه، ومن اشترى خاطرك فاشتر له قلبك”.
فالحياة معادلة بسيطة: احفظ كرامتك، وأعطِ بقدر، ولا تُسرف في مشاعرك لمن لا يقدّرها.

القوة الحقيقية لا تُقاس بالعضلات

قد تظن أن القوي هو من يغلب الآخرين، لكن الحقيقة أن القوة في الانتصار على النفس.قال النبي ﷺ: “ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب” [متفق عليه]. القوة الحقيقية أن تملك أعصابك حين يُستفَز قلبك، أن تختار الصفح حين تملك الانتقام، أن تظل كريمًا رغم إساءة الآخرين. هذه هي البطولة التي تُبنى بها النفوس العظيمة.

الأمل من جديد الذي لا ينطفئ

حتى في أشد العواصف يظل نور الأمل يلوح في الأفق.قال الله تعالى:﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا، إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5-6].
تكرار الآية يؤكد أن بعد كل ضيق يسرين، لا يزولان. فما من ليل إلا ويعقبه فجر، وما من حزن إلا ويتبعه فرج قريب.

ختاما: دروس بين الانكسار والرضا

الحياة لا تنتظر أحدًا، تمضي بنا إلى الأمام شئنا أم أبينا. الحكيم من يتعلم دروسها، ويخرج من تجاربه أنضج وأقوى، لا أكثر مرارة.
فلنتعلم أن نرى في الألم درسًا، وفي الفقد حكمة، وفي الخذلان عطاءً خفيًا. لولا الانكسارات لما عرفنا قيمة النهوض، ولولا الظلام لما أدركنا جمال النور.
الحياة تُعطينا شهد النحل أحيانًا، وتلدغنا بسم العقارب أحيانًا أخرى، لكننا مع كل تجربة نزداد قوةً وخبرة، ونقترب أكثر من معنى الإنسانية الحقيقية.
وأجمل ما نحمله في قلوبنا ونحن نكمل الرحلة هو اليقين أن الله معنا، لا يترك من لجأ إليه، ولا يخذل قلبًا تعلّق به.

خدمات ومتابعة إضافية من الدليل نيوز

كن جزءًا من مجتمع الدليل نيوز وتابع أهم المستجدات:

لتبقى على اطلاع دائم بآخر الأخبار الفنية وقضايا المشاهير، انضم إلينا عبر منصاتنا:

لا تفوت آخر الأخبار والمستجدات من “الدليل نيوز” تابع أسعار العملات العالمية:

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights