وادي المستضعفين بالمقطم أرض يلتقي فيها التاريخ بالروح

كتب د. عبدالرحيم ريحان
في قلب المقطم وبالتحديد فى المنطقة المعروفة بالأباجية بعيدًا عن صخب القاهرة وضجيجها يمتد وادٍ يعرف بـ وادي المستضعفين أرض يلتقي فيها التاريخ بالروح موطن من اختاروا العبادة والخلوة وأقاموا للذكر مقامًا خالدًا
تحدثنا عن هذا الوادى الآثارية هالة سلامة مفتشة آثار بمحافظة المنوفية موضحة أن الوادى يحتضن عند سفحه ابن الفارض 1181–1235م سلطان العاشقين شاعر التصوف الذي صاغ من الحروف عشقًا لا ينطفئ والذى يعد قبره مقصدًا لمن يبحث عن صفاء الروح وكأن همسات أشعاره ما زالت حاضرة تتغلغل بين الصخور فى الهواء تروي قصص العشق الإلهي لمن يفتح قلبه ويستشعر سر الوجود.
وعلى مقربة يقف جامع شاهين الخلوتي الذي شيد عام 945هـ/1538م والمنحوت في الجبل والذى شيد برغبة ابنه جمال الدين الذى أراد تكريم ذكرى والده ليجعل من الصخور محرابًا ومن الجبل مئذنة فبقي أثره شاخصًا لخمسة قرون شاهدًا على حياة من اختاروا العزلة في حضرة المولى عز وجل.
ثم تتجلى قبة جميلة فضيلة التي أمرت ببنائها الأميرة جميلة فضيلة سنة 1889م تخليدًا لذكرى ابنها الأمير إبراهيم جمال الدين الذي رحل صغيرًا عن عمر ناهز أربعة أشهر لتروي قصة فقدان عزيز قلبها وتعد القبة تحفة معمارية بما تحويه من زخارف متنوعة تنسج بين جدرانها عزاء خالدًا مذكّرة كل زائر بعظمة الصبر وروعة الذكر.
وهناك أيضا مشهد إخوة يوسف ذلك المقام الرمزي الذى يعرف بـ “مشهد رؤيا” والذى أُنشئ في العصر الفاطمي حوالي 1106م والمسجل كأثر رقم 301 والذى يتميز بمحرابه الثلاثي والذي يعد من أجمل المحاريب الجصية التي تعود إلى العصر الفاطمي.
ويضيء جامع اللؤلؤة مزار الطائفة البهرة الإسماعيلية أبيض اللون كقطعة ضوء خرجت من قلب الجبل ليبقى شاهدًا على تنوع مصر الروحي وعلى أن الطرق إلى الله تتعدد لكنها جميعًا تلتقي في أرضها.
وتضيف الآثارية هالة سلامة بأن هضبة المقطم متوجة بمشهد الجيوشي 478هـ/1085م، الذي بناه الوزير الفاطمي بدر الجمالي والذى يطل شامخًا بمئذنته الرائعة التي تعكس جمال العمارة الفاطمية مخلدًا حضورًا شاهدًا على عظمة المكان وإبداع الإنسان الذي يسعى للخلود من خلال الأعمال الطيبة والأثر الصالح.
أمّا جبل المقطم نفسه المعروف بـ “غراس الجنة” فهو الحارس الصامت الذي تطل عليه القاهرة من الشرق والذى شهد ميلاد القاهرة الفاطمية وكان منذ قرون ملاذًا للزهاد والمتعبدين ومقبرة لمن اختاروا السكينة على الصخب.
فالحقيقة أن وادي المستضعفين ليس مجرد مكان يضم أضرحة ومقامات فقط؛ بل إنه كتاب مفتوح على صفحة من الزمن… كل حجر فيه بمثابة كلمة وكل ضريح فصل وكل مزار سطر من تاريخ طويل كتب بالدعاء والخلوة والذكر.
ومن يسير في دروبه يترك خلفه صخب المدينة ويشعر أنه يصعد رويدًا نحو صفحة من السماء، هناك لا ترى القبور مجرد حجارة بل مرايا لقلوب عاشت ومضت وبقي أثرها يشهد أن الخلود ليس للأجساد… بل للذكر الطيب والنفس الصادقة.
كن جزءًا من مجتمع الدليل نيوز وتابع أهم المستجدات:
لتبقى على اطلاع دائم بآخر الأخبار الفنية وقضايا المشاهير، انضم إلينا عبر منصاتنا:
لا تفوت آخر الأخبار والمستجدات من “الدليل نيوز” تابع أسعار العملات العالمية: