
بقلم/ ا.د / ابراهيم حسينى درويش
اليقين كلمة تحمل في حروفها القليلة معاني بحارٍ من الطمأنينة والثبات. هو تلك القوة الخفية التي تجعل قلبك ساكنًا حين تضطرب الدنيا من حولك، وتمنحك شجاعةً حين يخاف الآخرون، وتبصّرًا حين يعمى الكثيرون. اليقين ليس مجرد مفهوم نظري أو وعظٍ ديني، بل هو حياة متكاملة، ووقود داخلي يقود صاحبه إلى النجاح والسعادة والسكينة.
اليقين في الإسلام: جذر الإيمان وروح الطمأنينة
اليقين ركن أصيل في العقيدة، به يثبت الإيمان ويكتمل. قال الإمام ابن القيم: «لا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية». والرسول ﷺ أوصانا أن نسأل الله اليقين والمعافاة؛ لأن بهما تصفو الحياة في الدنيا، وتُنجى الأرواح في الآخرة.
اليقين هو أن توقن أن الله معك في كل خطوة، وأن رزقك لن يخطئك، وأن الأقدار كلها بيد من لا يغفل ولا ينام. ومن هنا تنبع قوة المؤمن: من عمق ثقته بربه. فالمؤمن يعيش مطمئنًا، لا ينهار أمام الأزمات، ولا ييأس من الشدائد، لأنه يعلم أن وراء كل محنة منحة، وأن الله لا يضيع من أحسن الظن به.
درجات اليقين: رحلة من السمع إلى التجربة
القرآن الكريم حدّثنا عن ثلاث درجات لليقين: وهى علم اليقين: أن تعرف الحقائق سماعًا وتصديقًا، كما أخبرنا الله عن الجنة والنار.. وعين اليقين: أن ترى بعينيك ما كنت تسمع عنه. ثم حق اليقين: أن تخوض التجربة بنفسك، فتعيشها وتدرك حقيقتها.
تمامًا كمن يخبرك أن الفجر قادم، فتصدّقه (علم اليقين)، ثم ترى خيوط النور في الأفق (عين اليقين)، ثم تعيش دفء الشمس وهي تشرق (حق اليقين). وهكذا الإيمان: يبدأ بالخبر، ثم بالرؤية، ثم بالعيش في رحاب الحقيقة.
اليقين قوة تتجلى في التاريخ
في أصعب لحظات التاريخ، كان اليقين هو السر الذي غيّر الموازين.
سيدنا موسى عليه السلام وقف أمام البحر وخلفه فرعون بجيشه، فقال قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}. فردّ بلسان الموقنين: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}. فشق الله له البحر وجعل الهزيمة من نصيب الطغاة.
وكذلك سيدنا محمد ﷺ في الغار، فى الهجرة حين أحاط المشركون بالمكان، قال لصاحبه أبي بكر: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}. فسكَن الخوف وامتلأ القلب بالطمأنينة، وكانت بداية نصر الإسلام.
وايضا سيدنا سعد بن أبي وقاص في معركة القادسية، حين اضطر المسلمون لعبور نهر دجلة بلا جسر، قال بثقة: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، فعبر الجيش كأنهم يسيرون على الأرض، حتى ذُهل الأعداء.
هذه المواقف لم تكن معجزات منفصلة عن البشر، بل كانت ثمار يقين راسخ جعل المؤمنين مطمئنين أن الله معهم، وأن النصر وعده الحق.
اليقين والنجاح في الحياة اليومية
اليقين ليس حكرًا على المعارك والأنبياء. بل هو وقود كل إنسان يسعى لتحقيق أهدافه.
فالتاجر الصادق حين يوقن أن الرزق بيد الله، لا يغش ولا يظلم، بل يعمل بجدّ ويصبر حتى يبارك الله له في تجارته.
والطالب المجتهد حين يوقن أن السعي لا يضيع، يذاكر بثبات دون قلق من النتيجة، فيوفقه الله.
ايضا الأب والأم حين يوقنان أن الله لن يضيع أولادهما، يزرعان الخير فيهم ويتركان النتائج لله، فيحصدان ثمرة صالحة.
فاليقين يحرر الإنسان من القلق الذي يقتل الطموح، ويزرع فيه طاقة الاستمرار رغم الصعاب.
قصص ملهمة تصنع الأمل
يُروى أن حاتم الأصم ترك أسرته بلا طعام حين ذهب للحج، فقالت ابنته بيقين عجيب: “إن الله لن يضيّعنا”. وفي المساء ساق الله لهم الرزق من حيث لا يحتسبون. إنها قصة تلخّص معنى التوكل المقرون باليقين.
وسيف الله خالد بن الوليد شرب السمّ وهو يقول: “بسم الله”، فلم يضره شيء، لأنه أيقن أن الأجل بيد الله لا بيد السم.
والعلماء والصلحاء عبر التاريخ لم يكونوا أغنياء دائمًا، لكنهم كانوا أهل يقين، ففتح الله لهم أبوابًا من الرزق والعلم والبركة لم تخطر على بال…هذه القصص ليست للتسلية، بل لتعليمنا أن اليقين مفتاح القوة الداخلية التي تغيّر مجرى حياتنا.
مصر المحروسة باليقين
وإذا انتقلنا من الفرد إلى الوطن، نجد أن اليقين كان دومًا حارس مصر وحاميها. عبر التاريخ واجهت مصر الغزوات، والشدائد، والأزمات الاقتصادية، لكنها بقيت صامدة. من الهكسوس إلى الصليبيين، ومن الاحتلال إلى الإرهاب، كانت مصر تخرج من كل محنة أقوى مما كانت.
ذلك لأن في قلوب أبنائها يقينًا راسخًا أن الله لا يضيع هذه الأرض التي ذُكرت في القرآن: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ}.
اليقين اليوم هو ما يجعلنا نؤمن أن مصر ستتجاوز أزماتها، وستحقق نهضتها الزراعية والصناعية والعلمية، ما دمنا متمسكين بالعمل والأمل، ومؤمنين أن الله معنا.
كيف نزرع اليقين في قلوبنا؟
بالقرآن: آياته تبني جدارًا من الثبات في القلب.من خلال التفكر بالنظر إلى السماء، والنجوم، والبحار، دليل أن لهذا الكون ربًا عظيمًا. وبالدعاء: نسأل الله اليقين كما دعا نبينا ﷺ.
وكذلك بالصحبة الصالحة: فالمؤمن الذي يجالس أهل الإيمان يزداد يقينه، بينما الشكوك تتكاثر عند مخالطة المترددين.
والتعلم من التجارب: كل تجربة ناجحة بعد صبر تزيد يقينك، كما أن كل شدة مرت وانفرجت تعلمك أن الله لا يترك عباده.
اليقين والسكينة في زمن القلق
عصرنا الحديث مليء بالضغوط مثل أزمات إقتصادية، أمراض، مخاوف من المستقبل. كثيرون فقدوا السلام الداخلي، لكن صاحب اليقين يعيش مرتاح البال. لماذا؟ لأنه يعلم أن رزقه لن يسبقَه أحد، وأن ما قدّره الله له هو الخير، حتى لو بدا غير ذلك.
والاهم ان نعى أن اليقين لا يلغي العمل، بل يجعله مثمرًا. فالزارع يزرع لأنه واثق أن الله سيخرج الزرع، والطالب يجتهد لأنه واثق أن جهده لن يضيع، والعامل يتعب لأنه واثق أن الله سيجازيه خيرًا.
ختاما
اليقين ليس رفاهية روحية، بل هو أساس حياة متوازنة. هو سرّ النجاح، ومصدر الشجاعة، وضمان الطمأنينة. باليقين نحيا سعداء، وباليقين نعمل دون خوف، وباليقين نحمي أوطاننا ونبني مستقبلنا.
فلنملأ قلوبنا يقينًا بأن الله لن يضيعنا، ولن يضيع مصر، فهي بلد محروسة بعينه، محفوظة بقدرته، مذكورة في كتابه، يمر عليها الزمان بمحنه لكنها تبقى صامدة، لأن الله وعدها بالأمان.
اليقين هو أن نثق أن الغد أفضل، وأن وراء كل عسر يسرًا، وأن الله دائمًا أقرب إلينا مما نتصور. فمن عاش باليقين عاش حرًّا من القلق، غنيًّا عن الخوف، قويًّا أمام التحديات، وسعيدًا حتى وسط المحن.
كن جزءًا من مجتمع الدليل نيوز وتابع أهم المستجدات:
لتبقى على اطلاع دائم بآخر الأخبار الفنية وقضايا المشاهير، انضم إلينا عبر منصاتنا:
لا تفوت آخر الأخبار والمستجدات من “الدليل نيوز” تابع أسعار العملات العالمية: