اليوم ذكرى فك رموز حجر رشيد

كتب/ د. عبدالرحيم ريحان


في يوم 27 سبتمبر 1822، أعلن العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون عن نجاحه في فك رموز اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة باستخدام حجر رشيد، هذا الكشف الذي لم يكن مجرد إنجاز علمي، بل كان مفتاح فهم الحضارة المصرية القديمة وتأسيس علم المصريات الحديث. يُعتبر هذا اليوم ذكرى خالدة في تاريخ حجر رشيد ولفهم واحدة من أعظم الحضارات. بدأت القصة من قلعة رشيد الأثر رقم 44، التي تقع على الشاطئ الغربي لفرع رشيد شمال المدينة بحوالي 6 كم، والتي أنشأها السلطان المملوكي الأشرف أبوالنصر قايتباي عام 886هـ/1482م.
الكشف عن الحجر
أرسل نابليون فرقة من حملته على مصر عام 1798 إلى قلعة قايتباي، التي نجحت في دخولها واستمرت بها حتى عام 1800. أطلق الفرنسيون عليها اسم “حصن سان جوليان”. في عام 1799، وأثناء قيام القائد الفرنسي بوشار بأعمال ترميم في القلعة، عثر على حجر مبني في جدار قديم كان لابد من هدمه لوضع أساس “قلعة سان جوليان”. سرعان ما علم قنصل الإسكندرية المستر هاريس بهذا الاكتشاف المهم، إلا أن الجنرال مينو أمر بإحضار الحجر إلى منزله بالإسكندرية بعد تنظيفه والاعتناء به. نُقل الحجر بعد ذلك إلى القاهرة، وسرعان ما انتشر خبره في العالم، ثم نُقل إلى لندن في فبراير 1802،
حيث بدأ علماء العالم في تفسير نقوشه، ومن ثم عُرف باسم “حجر رشيد” ومحفوظ الآن بالمتحف البريطاني بلندن. يبلغ طول حجر رشيد 115 سم وعرضه 73 سم، وقمته العليا وزواياه من الشمال واليمين مفقودة منها بعض الأجزاء. يرجح بعض العلماء أنه كان مستديرًا في أعلاه على نحو ما هو معروف عن “حجر كانوب” في عصر البطالمة. وهو حجر من البازلت الأسود مكتوب بثلاثة لغات من أعلى إلى أسفل: اللغة الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، ويرجع تاريخه إلى عام 196 ق.م في أيام الملك بطليموس الخامس الذي حكم مصر ما بين 203 إلى 181 ق.م.
قصة الخروج
مع مغادرة نابليون بونابرت مصر، أصبحت قوات الحملة الفرنسية تحت ضربات العثمانيين والإنجليز. في مارس 1801، نزلت القوات الإنجليزية في خليج أبي قير، فأخذ الجنرال مينو قواته إلى شمال مصر وأخذ معه كل الآثار التي حصل عليها علماء الحملة الفرنسية. ولكنه هُزم في معركة أبي قير البحرية، وتقهقرت القوات الفرنسية إلى الإسكندرية حاملين معهم الآثار المصرية. عقب ذلك، تم نقل الحجر إلى الإسكندرية ووضع في مخزن باعتباره من ممتلكات القائد الفرنسي مينو. حوصرت القوات الفرنسية في الإسكندرية، وأعلن مينو الهزيمة في 30 أغسطس 1801.
تم توقيع معاهدة الاستسلام، وبموجب المادة 16 من الاتفاقية، تم تسليم الآثار التي في حوزة الفرنسيين إلى الجانب البريطاني. وبالتالي، لا توجد سندات ملكية لفرنسا للآثار المصرية التي تنازلت عنها للجانب البريطاني، باعتبارها آثارًا تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح وليس لها حق في التنازل عنها لأحد. وهو نفس مبدأ “من لا يملك لا يحق له التنازل لمن لا يستحق”، وقبول الجانب البريطاني للتنازل باطل، فما أسس على باطل فهو باطل.
وبالتالي، فإن اقتناء إنجلترا حاليًا للحجر باطل. خرج حجر رشيد من مصر في ظروف الاستعمار، فلم يُهدى من أي مصري ولم يخرج بإذن تصدير وفق قانون معين كان يبيح تصدير الآثار، فلا توجد أي سندات شرعية تثبت ملكية بريطانيا للحجر. فقد تم الاستيلاء عليه بواسطة الجيش البريطاني عام 1801 وتم إهداؤه بواسطة الملك جورج الثالث ليستقر بالمتحف البريطاني منذ يونيو عام 1802. وفي نهاية الحرب العالمية، خشيت إدارة المتحف على القطع الأثرية فوضعوها في قاعة أسفل محطة قطارات تبعد 16 مترًا عن سطح الأرض في ماونت بلزانت في هلبورن.
دراسة الحجر
بدأ العلماء في دراسة الحجر منذ عام 1805، عندما بدأ العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون في مصاحبته لمدة 17 عامًا حتى أعلن للعالم نجاحه في فك رموزه في 27 سبتمبر 1822. لم يخرج الحجر بعد ذلك من المتحف البريطاني إلا مرة واحدة ولمدة شهر في أكتوبر عام 1972، حيث انتقل إلى متحف اللوفر بباريس بمناسبة مرور 150 عامًا على فك رموزه. حصل الشاب الفرنسي “جان-فرانسوا شامبليون” على نسخة من الحجر، كما حصل عليها غيره من الباحثين، وعكف على دراسته معتمدًا على خبرته الطويلة في اللغة اليونانية القديمة وفي اللغات القديمة بوجه عام.
يتضمن الحجر مرسومًا من الكهنة المجتمعين في مدينة منف يشكرون فيه الملك بطليموس الخامس (إبيفانس 204 ق.م – 180 ق.م) حوالي عام 196 ق.م لقيامه بوقف الأوقاف على المعابد وإعفاء الكهنة من بعض الالتزامات. سجل هذا المرسوم بثلاثة خطوط هي حسب ترتيب كتابتها من أعلى إلى أسفل: الهيروغليفية، الديموطيقية، اليونانية. وقد فقد الجزء الأكبر من الخط الهيروغليفي وجزء بسيط من النص اليوناني.
وقد أراد الكهنة أن يسجلوا هذا العرفان بالفضل للملك البطلمي بالخط الرسمي وهو الخط الهيروغليفي وخط الحياة اليومية السائد في هذه الفترة وهو الخط الديموطيقي، ثم بالخط اليوناني وهو الخط الذي تكتب به لغة البطالمة الذين كانوا يحتلون مصر. وكان المكتشفون للحجر قد اقترحوا أن الحجر يتضمن نصًا واحدًا بخطوط ثلاثة مختلفة، واتضح صحة ذلك فيما بعد.
بعد نقل الحجر إلى القاهرة، أمر نابليون بونابرت، قائد الحملة الفرنسية، بإعداد عدة نسخ منه لتكون في متناول المهتمين بالحضارة المصرية في أوروبا بوجه عام وفي فرنسا بوجه خاص. وكان الحجر قد وصل إلى بريطانيا عام 1802 بمقتضى اتفاقية العريش التي أبرمت بين إنجلترا بقيادة القائد نيلسون وفرنسا بقيادة القائد مينو، تسلمت إنجلترا بمقتضاها الحجر وآثارًا أخرى.
بدأ الباحثون بترجمة النص اليوناني، وأبدى الباحثان “سلفستر دي ساسي” و”أكربلاد” اهتمامًا خاصًا بالخط الديموطيقي. تمت دراسة الخط الهيروغليفي على يد العالم الإنجليزي “توماس يونج” الذي حصل على نسخة من حجر رشيد عام 1814، وقد افترض أن الخراطيش الموجودة في النص الهيروغليفي تحتوي على أسماء ملكية واعتمد على نصوص أخرى مشابهة كالمسلة التي عثر عليها في فيلة عام 1815م والتي تتضمن نصًا باليونانية والآخر بالهيروغليفية. إلا أن الفضل الأكبر يرجع للعالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون (1790-1832).
افترض شامبليون أن الخطوط الثلاثة (الهيروغليفية – الديموطيقية – اليونانية) تمثل موضوعًا واحدًا ولكنه كُتب بالخط الرسمي الهيروغليفي وخط الحياة اليومية السائدة في هذه الفترة الديموطيقي، ثم بلغة اليونانيين الذين كانوا يحكمون مصر. قرأ شامبليون النص اليوناني واعتمد في بحثه على أسماء الأعلام غير القابلة للتغيير وفهم مضمونه، وقرأ اسم الملك بطليموس.
تحرك من فرضية أن هذا المرسوم الذي صدر في عهد الملك بطليموس الخامس عام 196 ق.م لابد أنه قد كُتب إلى جانب اليونانية بخطين من خطوط اللغة الوطنية. ولابد أن اسم بطليموس باليونانية سوف يتكرر في الخطين الهيروغليفي والديموطيقي. وأن الحروف الساكنة لأسماء الأعلام لا تتغير مهما تعددت اللغات التي كتبت بها. وضمن حجر رشيد خرطوشًا واحدًا تكرر ست مرات ضم اسم الملك “بطليموس” وهو الاسم الذي ورد على مسلة فيلة بالإضافة إلى اسم “كيلوباترا”. وبمزيد من الدراسات المقارنة، توصل إلى معرفة القيمة الصوتية لكثير من العلامات.
وفي عام 1822، أعلن جان فرانسوا شامبليون للعالم تمكنه من فك رموز اللغة المصرية القديمة وأن بنية الكلمة في اللغة المصرية لا تقوم على أبجدية فقط، وإنما تقوم على علامات تعطي القيمة لحرف واحد وأخرى لاثنين وثالثة لثلاثة، وأكد استخدام المخصصات في نهاية المفردات لتحديد معنى الكلمة.
كن جزءًا من مجتمع الدليل نيوز وتابع أهم المستجدات:
لتبقى على اطلاع دائم بآخر الأخبار الفنية وقضايا المشاهير، انضم إلينا عبر منصاتنا:
لا تفوت آخر الأخبار والمستجدات من “الدليل نيوز” تابع أسعار العملات العالمية: