حضارة وتاريخسلايدر

دور القناصل والمستشرقين في تجريف وتهريب الآثار المصرية( أشهر لصوص الآثار المصرية9 )

كتب: د.قاسم زكى

أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا، عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب مصر

تعتبر الفترة بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر الميلاديين من الفترات الحاسمة في تاريخ مصر، حيث شهدت البلاد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة، كما شهدت تزايدًا ملحوظًا في التفاعلات مع العالم الخارجي. كان للقناصل الأجانب دور محوري في هذه الفترة، حيث كانوا بمثابة الجسر الذي يربط بين مصر والدول الأجنبية، ويشهدون على التبادلات الثقافية والتجارية ( تهريب الآثار المصرية) التي كانت تتم في ذلك الوقت.

القناصل والمستشرقون ودورهم في نقل الآثار المصرية للخارج

القناصل الأجانب في مصر: بين الدبلوماسية وجمع الآثار

كانت مصر مركزًا تجاريًا مهمًا على طريق الحرير، مما جذب التجار الأجانب الذين احتاجوا إلى حماية مصالحهم. وكان على الدول الأجنبية إرسال قناصل إلى مصر لتمثيل مصالحها وحماية مواطنيها المقيمين هناك. كما زادت الرحلات الاستكشافية إلى مصر، مما دفع الدول الأجنبية إلى إرسال قناصل لتسهيل مهمات المستكشفين. ولعل الاهتمام الكبير بالدراسات الدينية، خاصة المسيحية، مما دفع الكنائس الأوربية والأمريكية إلى إرسال قناصل لحماية رعاياهم.

وكان دور القناصل الأجانب كبيرا في حماية مصالح التجار والمواطنين من بلادهم المقيمين في مصر، وتقديم المساعدة القانونية لهم. ولم يخلو دور بعض القناصل بجمع المعلومات الاستخباراتية لصالح بلادهم. وساهم القناصل في نشر الثقافة الأوروبية في مصر، ونقل الثقافة المصرية (والآثار) إلى بلادهم. وكانوا يتوسطون في حل النزاعات التي تنشأ بين مواطني بلادهم والمصريين.

ساهم القناصل الأجانب في نقل الأفكار الحديثة والتكنولوجيا خاصة في مجال العمارة والفنون مما ساهم في عملية التحديث. لكن للأسف في بعض الأحيان، كان القناصل يتدخلون في الشؤون الداخلية ويثيرون المشاكل. كان للفرنسيين والبريطانيين والطليان حضور قوي في مصر وكانوا يسعون إلى حماية مصالحهم خاصة في مجال التجارة، وكانوا يرسلون قناصل لحمايتها.

فترة الذروة في كشف وتهريب الآثار (القرنين 16-19)

أكثر حالات الكشوف والتهريب للآثار المصرية تمت في العصر الحديث؛ خاصة في الفترة الممتدة من بدايات القرن السادس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي (~ 1500-1900م). حينها كان الدبلوماسيون المقيمون في مصر أكثر الجميع حماسا في جمع الآثار، فقد كانت أعبائهم الوظيفية في القاهرة والإسكندرية هينة، فكان جمع الآثار بالنسبة لهم هواية وعملا إضافيا ومربحا معا لأشخاصهم، حتى أنهم كانوا يبيعون ما يتحصلون عليه من كنوز مصرية لاي مشتر أجنبي لدية القدرة لدفع الثمن بغض النظر عن جنسيته. ولعل تقارير هؤلاء القناصل والمستشرقين بل والزوار كان لها الأثر الكبير الذي استرشدت به حملة نابليون بونابرت على مصر (1798م-1801م). وفي تلك الفترة نشطت في أوروبا عمليات تطوير المتاحف القومية والبحث عن أي مقتنيات سواء قومية أو أجنبية.

وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر ازدادت عملية نهب الآثار المصرية على أيدي السياسيين والدبلوماسيين الأجانب ورجال الدين، حتى أن الأب “فانسلب” والذي كان وكيلا لـ”لويس الرابع عشر” ملك فرنسا؛ قد زار مصر مرتين (1663م، و1672م). ولقد رصد أحوال مسيحيّ مصر خلال فترة الحكم العثماني المملوكي. ولكن بدأ يذهب إلى العديد من الأماكن التي يستطيع الحصول منها على مخطوطات ووثائق آثرية، بل هبط في بعض القبور الآثرية في سقارة وحصل منها على بعض جثث الطيور المحنطة في الأواني الفخارية وأرسلها مباشرة إلى باريس.

ومن الدبلوماسيين الأجانب البريطاني “لي مير” الذي عمل في مصر (1711م -1722م)، وهو أحد أبرز القناصل الأجانب الذين حملوا معهم عند عودتهم إلى أوروبا ما خف حمله وغلا ثمنه من الآثار المصرية.
وفى العام 1723م عرض “توماس سيرجنت” أحد هواة جمع الآثار على جمعية الآثار في لندن صندوقا به تماثيل لمجموعة من المعبودات المصرية القديمة كان قد جاء من مصر مؤخراً.

أما “ريتشارد بوكوك”؛( 1704م- 1765 م، وهو قسيس وعالم بريطاني)، قام بزيارة الشرق في رحلته الشهيرة من 1737م– 1741م، قام خلالها بزيارة مصر وفلسطين ولبنان، والشام وآسيا الصغرى واليونان. وكتب مشاهداته في كتابه “وصف الشرق” في مجلدين، كان كتابه هذا بمثابة الزناد الذي قدح فكر مفكري بريطانيا وساستها وعلمائها للاهتمام بمصر وآثارها وتاريخها منذ ذلك الحين. ولكنه حين عودته لإنجلترا اخذ معه قطع آثار مصرية منها تمثال المعبودة “إيزيس” وعدة قطع أخرى يونانية ورومانية.
كما ضمت مجموعة الآثار المصرية الخاصة بالطبيب الإنجليزي “السير هانز سلون (Sir Hans Sloane؛ 1660م-1753م)” – أحد مؤسسي المتحف البريطاني عام 1756م – لفائف من أوراق البردي النادرة، وكان متحف لندن يشتري الآثار المصرية بطريقة طبيعية بعد إنشائه مباشرة.

شخصيات تاريخية بارزة في جمع وتهريب الآثار

بينما يذكر التاريخ بكل ثناء على ملك الدانمارك والنرويج المستنير “كرستيان الخامس” (Christian V؛ 15 أبريل 1646م – 25 أغسطس 1699م) واهتمامه بتسجيل الآثار المصرية، فقد أوفد بعثة علمية بقيادة المهندس البحري والفنان “فردريك لويس نوردون “(Frederic Louis Norden ؛ 1708م-1742م) والتي زارت مصر وبلاد النوبة ووصفت كافة المشاهدات في كتاب (سياحة) عام 1755م. وتعد هذه أول محاولة جادة ودقيقة لوصف آثار مصر وعرضها بدقة للأوربيين.

وخلال ثمانيات القرن الثامن عشر الميلادي أظهرت “ماري أنطوانيت” (1755م-1793م) ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر ووالدة الملك لويس السابع عشر، أظهرت شغفا زائداً بمصر وآثارها حين أمرت بإحضار عدد من القطع الآثرية المصرية إلى القصور الملكية. كما ضم متحف “جرينوبل” الفرنسي، مسقط رأس شامبليون، عشر قطع من الآثار المصرية أهمها تابوتان يحتوي أحدهما على المومياء الخاصة بشامبليون والتي سبق أن أهداها له القنصل الفرنسي “الفرس مور” عام 1799م.

ومع ازدياد المعرفة بأهمية مصر وموقعها الجغرافي والضعف الذي دب في الدولة العثمانية “رجل أوروبا المريض” المسيطرة على مصر، هجم نابليون في حملته المشهورة لاحتلال مصر في يوليو 1798م، واصطحب معه بعثة علمية تضم 167 عالما من مختلف التخصصات لمعاونته، ورغم فشل الحملة العسكرية، نجحت البعثة العلمية نجاحا مذهلا وأنجزت في ثلاث سنوات ما يحتاج إنجازه لعشرات من السنين.

ولعلنا نذكر أيضا بعض أسماء من جاءوا لمصر في زي مستشرقين أو دبلوماسيين أو سياح أو مغامرين ونقلوا العديد من آثار مصر للخارج سواء بالسرقة أو بعلم حكام مصر. ولعل أول هؤلاء هو قنصل فرنسا العام عقب حملة نابليون “دروفيتي” وقنصل بريطانيا العظمي الكولونيل “ميسيت” ثم “سولت” فقد انصب جل اهتمامهم في البحث عن الآثار وسرقتها وتهريبها للخارج وحققوا ثروات طائلة من وراء ذلك. وكانوا يحصلون على التصاريح أو الفرمانات من محمد علي باشا وخلفاءه بكل سهولة ويسر للتنقيب عن الآثار ونقلها للخارج.

وظهر أول لصوص الآثار عندما تولى المماليك حكم مصر باسم السلطان العثماني، وللأسف هذا اللص هو أسقف بريطاني اسمه «ريتشارد بوكوك» الذي زار مصر عام ١٧٣٧م، وعبر “بوكوك” النيل إلى غرب الأقصر، وكان ينزل المقابر بسلم من الحبال، ويأخذ منها ما يأخذ. وكان المصريون في ذلك الوقت يعتقدون أن الأوروبي يستطيع بسحره أن يعثر على الكنوز ويرحل بها، وعندما تأكدوا من سرقاته هددوه بالقتل حتى اضطر إلى مغادرة البلاد.

وفى عصر «محمد على باشا وخلفائه» – بدأ عام 1805م- الذي كان حائراً بين بريطانيا وفرنسا وخصومه في الداخل وفتوحاته في الخارج وحماية الآثار التي لم يبد اهتماما بها، حيث حرص على اجتذاب قنصل بريطانيا «سولت» وقنصل فرنسا «دروفيتي» وانتهز القنصلان الفرصة فأخذا يسرقان آثار مصر على نطاق واسع. وربما كان محمد على، قد عرف ما يفعله الرجلان فترك لهما سرقة الماضي، مقابل أن يتركا له الحاضر والمستقبل.

برناردينو دروفيتي: قنصل فرنسا وأحد أكبر لصوص الآثار

أما عن برناردينو دروفيتي Bernardino Drovett)، 1852-1776م) فهو رحالة وعسكري ودبلوماسي ومستكشف وأثري من أصل إيطالي، وحصل على الجنسية الفرنسية، وشارك في حملة نابليون على مصر، وعينه نابليون قنصلاً فرنسياً في مصر، في عام 1803م في الفترة الأولى له، في وقت انفتحت مصر وآثارها على مصراعيهما أمام الاهتمام والشراء النهم من الأوروبيين للآثار المصرية.

وقد عمل قنصلا لفرنسا في مصر فترتين من الزمان، الأولى منذ ولاية نابليون (1803م) حتى عام 1814م والثانية منذ عام 1820 وحتى 1829م. ويعتبر دروفيتي من أكبر لصوص آثار مصرية، فقد جمع دروفيتي أكبر مجموعة من أوراق البردي عرضها على فرنسا فرفضت شراءها، فعرضها على ملك سردينيا فاشتراها بمبلغ 400 ألف ليرة إيطالية، وقدمها هدية لمتحف تورينو (الإيطالي)، وتضم هذه الصفقة بردية تورين التي تحوي قوائم بأسماء ملوك مصر.

واشترى منه متحف برلين عام 1836م مجموعة ثانية بمبلغ 30 ألف ليرة، أما مجموعته الثالثة فاشتراها “شارل العاشر” ملك فرنسا بربع مليون فرنك، وقدمها هدية إلى متحف اللوفر. والمجموعات الثلاث التي باعها دروفيتي تمثل أفضل وأروع الآثار المصرية في أوروبا بصفة عامة ومتحف اللوفر بصفة خاصة.
وكان اللص دروفيتي صاحب حظوة ونفوذ لدي والي مصر محمد علي الذي اعتمد على فرنسا لمساندته ضد إنجلترا. ومن أساليب دروفيتي المستهجنة في التعامل مع الآثار المصرية،

انه كان حينما يحصل على مجموعة من المزهريات وعددها كبير، يحطم نصفها حتى يرتفع ثمنها عند البيع؛ أيضا كان يحطم الطرف الهرمي المدبب للمسلات حتى يسهل نقلها. ومن عجائب القدر أن هذا اللص دروفيتي قد أصيب في أواخر أيامه بالجنوُن (وكأنها لعنة الفراعنة) وتم نقله لملجأ في تورينو ومات فيه غير مأسوف عليه في 5 مارس 1852م، عن عمر 76 عاما.

هنري سولت: منافس دروفيتي في نهب الآثار

وعن منافس دروفيتي اللدود في نهب آثار مصر، المدعو هنري سولت Henry Salt) ؛ 14 يونيه 1780 – 30 أكتوبر 1827م)، فهو فنان ورحالة ودبلوماسي وعالم مصريات إنجليزي، ذاع صيته بين علماء المصريات في عصره بسبب اهتمامه الشديد بجمع الآثار المصرية القديمة وبيعها لمختلف متاحف العالم أثناء فترة عمله في مصر كقنصل عام للمملكة المتحدة في الفترة ما بين 1815م و1827م.

ويأتي على رأس القطع الآثرية التي تمكن من جمعها رأس الملك رمسيس الثاني (ممنون الصغير) من معبد الرامسيوم بمساعدة المغامر الإيطالي “بلزوني”، والتي تعرض حاليا في المتحف البريطاني، والتابوت الحجري لرمسيس الثالث والذي اشتراه متحف اللوفر. وعلاوة على جمعه للآثار قام سولت بتمويل حملات التنقيب الآثرية في طيبة وأبو سمبل، كما قام بنفسه بالعديد من الأبحاث في منطقة أهرامات الجيزة.

وكان القنصل الفرنسي “دروفيتي” ينشر أعوانه في كل القطر المصري يفتش وينبش كل شبر فيها في سباق محموم مع القنصل الإنجليزي “سولت” الذي يعمل لحسابه المغامر “بلزوني”. وكما أوضحنا سابقا أن اللص الفرنسي المتخفي خلف الحصانة الدبلوماسية المدعو ” دروفيتي ” ينافس عدوه اللدود سولت. ولكن نجد سولت الإنجليزي هذا يعقد معه اتفاقا مكتوبا لتقسيم مناطق النفوذ لنهب الآثار المصرية وينص الاتفاق أن تكون للص “”دروفيتي” الفرنسي آثار الضفة الشرقية لنهر النيل، وللص “سولت” الإنجليزي آثار الضفة الغربية للنيل ينقب كل منهما في منطقته بحثا عن الآثار التي تُباع بالذهب. ورغم ذلك حدثت مناوشات بين اتباعهم، استعملت فيها الأسلحة النارية وكاد أن يقضي فيها بلزوني نحبه.

قناصل آخرون ساهموا في تهريب الآثار وتخريبها

وتزخر سجلات التاريخ بأسماء كثير من القناصل والذين ساهموا في تهريب الآثار المصرية نذكر منهم القنصل الفرنسي “جان- جوزيف دوبوا”، والقنصل الفرنسي العام في الإسكندرية “جان- فرانسوا ميمو” خليفة “دروفيتي”. وبين الأعوام 1850م- 1870م، دخلت متحف اللوفر مجموعات أخرى قادمة من مصر عن طريق الشراء والهبات. وكان أكثر أصحابها من الدبلوماسيين الأجانب في مصر والذين كانوا يهدونها إلى المتحف، بعد عودتهم لبلادهم. ففي العام 1857م،

دخلت لوحات القنصل السويدي الأرمني الأصل “جيوفاني أنستازي”، ومجموعات “شافاليه دي بالين” في العام 1859م، و”أشيل فول” في 1860م، والكونت “تسيكيفيسكز” في 1862م. وفي العام 1863م، مجموعة آثار نائب القنصل الروسي “سليمان”، ومجموعة القنصل الفرنسي “دلابورت”. وفي العام 1867م، وصلت مجموعة “ألفونس ريافيه”، بينما المجموعة الكاملة “لـروسي بك” المكونة من 1208 قطعة آثرية دخلت في العام 1868م.

وقد ساهم هؤلاء الضيوف الفضوليين في تخريب الآثار المصرية، فمن الثابت أن الحفائر الآثرية في ثمانينات القرن التاسع عشر كانت تجرى بطريقة عشوائية بعيدة كل البعد عن الأسلوب العلمي.

الدليل نيوز عشان البلد والناس

لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.

تواصل معنا عبر منصاتنا:

استكشف أقسامنا الرئيسية:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights