
كتب: عبدالعاطي محمد
في كل زمان ومكان، يظهر بين الناس أولئك الذين امتلأت قلوبهم بالغرور، وانتفخت صدورهم بالزهو الكاذب، حتى ظنوا أنهم خُلقوا من طينٍ أرفع من بقية البشر. يظنون أن الألقاب تحميهم، وأن المال يمنحهم قداسة، وأن السلطة تجعلهم فوق المساءلة. هؤلاء هم “الرادحون” و”المتكبرون” الذين لا يرون في الناس إلا درجات تحت أقدامهم، ولا في الفقراء إلا عبيدًا خُلقوا لخدمتهم.
هؤلاء الذين يتحدثون بلهجة “متعرفش أنا مين؟” هم في الحقيقة لا يعرفون من يكونون. لا يعرفون أن قيمة الإنسان ليست بما يملك، بل بما يُقدِّم. ليست بما يلبس، بل بما يَفعل. ليست في المنصب، بل في الموقف.
من المؤسف أن بعض النفوس المريضة إذا أمسكت بكرسي أو صعدت درجة في السلم الوظيفي أو الاجتماعي، تظن أنها صارت فوق الخلق. يتغير كلامهم، ونظرتهم، وسلوكهم، وكأنهم خلعوا إنسانيتهم مع ملابسهم القديمة. يرفعون أصواتهم على من هم دونهم، ويتعمدون إذلال الغلابة، كأنهم ينتقمون من فقرهم هم لا من غيرهم.
كم من موظفٍ بسيطٍ أُهين في مكتبه لأن مسؤولًا مغرورًا ظن أنه ربٌّ صغير!
وكم من فقيرٍ كُسرت كرامته بكلمة قاسية من متكبرٍ لا يرى في الفقر إلا ضعفًا!
وكم من صاحب جاهٍ فقد احترام الناس حين ظن أن الناس لا تساوي شيئًا أمامه!
أولئك الذين يعيشون بعقلية “الرادحين” لا يدركون أن الكبر أول طريق السقوط، وأن الله يرفع المتواضع ويُذل المتجبر. فكم من “باشا” صار ذكرى باهتة، وكم من فقيرٍ رفعه الناس فوق الرؤوس لأنه حفظ لسانه وأكرم خلقه.
التاريخ لا يذكر المتكبرين إلا في سطور سوداء. لم يُخلَّد أحد لأنه قال “أنا”، بل لأنهم قالوا عنه “هو من صنع شيئًا”. التواضع لا يُنقص من قدر أحد، بل يزيده. أما الغرور، فهو السمّ الذي يقتل صاحبه ببطء.
رسالة إلى كل من يتعامل مع الناس بتعالٍ وغطرسة:
الكرسي لا يدوم، والمال لا يبقى، والناس لا تنسى من أهانها. قد تصعد اليوم بسلطة، لكنك ستسقط غدًا بذكرى سيئة. احترم الغلبان، فهو من يصنع لك الدعاء في الخفاء، وهو من يحملك حين تسقط.
وفي النهاية، تذكّر قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟”
فالتواضع ليس ضعفًا، بل رفعة، والكبر ليس هيبة، بل مهانة. ومن قال “متعرفش أنا مين؟”، فليعلم أن الناس تعرف تمامًا من هو… مجرد إنسانٍ فقد احترام نفسه قبل أن يفقد احترام الناس.
الدليل نيوز عشان البلد والناس
لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.