الساحل يبتلع الشاطئ.. خطر التغيّر المناخي يهدد شمال مصر

كتب: منصور عبد المنعم
على امتداد الساحل الشمالي، من الإسكندرية حتى كفر الشيخ ودمياط، تسير الأمواج هذه الأيام كأنها تزحف في صمتٍ مريب، تحمل معها رائحة الملح والخوف معًا. لم يعد البحر كما عرفه الصيادون والسكّان منذ عقود، بل صار يتقدّم نحوهم خطوة بخطوة، كزائر ثقيل لا يعرف طريق العودة.
تغيّر المناخ لم يعد مصطلحًا علميًا يتداول في المؤتمرات الدولية، بل واقعًا يلمسه الناس في شوارع بحري والعصافرة، وعلى ضفاف بحيرة البرلس، وفي القرى المطلة على المتوسط. بيوتٌ تصدّعت، وأراضٍ زراعية ابتلعتها المياه، وصيادون خسروا مصدر رزقهم بعد أن تغيّرت مواعيد الصيد ومواسم السمك.
خطر يقترب بصمت
يقول “عم حسن”، أحد صيادي البرلس، وهو يشير إلى رصيفٍ غمرته المياه:
“كنا نُصلح شباكنا هنا، والبحر بعيد عن البيوت أمتارًا، الآن صار عند عتبة البيت”.
وفي رشيد، يؤكد الأهالي أن البحر تقدّم في الأعوام الأخيرة أكثر من خمسين مترًا، ما اضطر بعضهم إلى مغادرة منازلهم. بينما تشير تقارير مركز بحوث المياه إلى أن الدلتا تُعد من أكثر المناطق في العالم عرضةً لتأثير ارتفاع مستوى سطح البحر، بسبب طبيعتها المنخفضة وقربها من المتوسط.
تحذيرات العلماء
خبراء البيئة يربطون هذه الظاهرة بارتفاع درجات الحرارة عالميًا وذوبان الجليد القطبي. وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن مدينة الإسكندرية قد تفقد ما يقارب 30% من مساحتها السكنية والزراعية بحلول عام 2050 إن لم تُتَّخذ إجراءات جذرية.
الدكتور محمود خليل، أستاذ المناخ بجامعة الإسكندرية، يقول إن البحر يتقدّم بمعدل 3 إلى 5 مليمترات سنويًا، وهو رقم يبدو ضئيلًا على الورق، لكنه يعني الكثير حين يتحوّل إلى واقع على الأرض.
مشروعات الحماية
في مواجهة الخطر، أطلقت الحكومة المصرية عدة مشروعات لحماية السواحل، منها إنشاء حواجز أمواج في الإسكندرية ودمياط، وتبطين الشواطئ بألواح خرسانية تمنع التآكل.
كما أدرجت مصر ملف حماية الدلتا ضمن أولوياتها في مؤتمرات المناخ الدولية، وأعلنت وزارة البيئة أن الاستراتيجية الوطنية للتغيّر المناخي تهدف إلى تحصين المدن الساحلية خلال العقد القادم.
وجوه خلف الموج
لكن خلف كل مشروع ومؤتمر، هناك وجوه بشرية تقف أمام البحر كل صباح تحمل خوفها في صمت.
“سعدية”، أرملة خمسينية من عزبة البرج، تقول وهي تنظر إلى البحر الممتد أمامها:
“البحر بيقرب كل سنة شبر.. إحنا بنعدّي الأيام، مستنيين نصيبنا”.
يعيش كثير من أهالي الساحل بين حلم الاستقرار وهاجس الرحيل. بعض الشباب يفكر في الهجرة إلى المدن الجديدة أو السفر إلى الخارج، بينما يتمسّك آخرون ببيوتهم كمن يتمسّك بالذاكرة ذاتها.
بين مدّ البحر وجزر الأمل، يقف الساحل الشمالي شاهدًا على معركة الإنسان مع الطبيعة.
فهل يستطيع المصريون أن يُقيموا حواجز تحمي الأرض والإنسان معًا؟ أم يبتلع البحر ما تبقّى من الحكاية؟




