الحرية أولاً.. لماذا تأخرت الديمقراطية في عالمنا؟

في سعينا نحو الديمقراطية، هل نضع العربة قبل الحصان؟ يكشف التاريخ أن الديمقراطية ليست مجرد صناديق انتخاب، بل هي بناء شامخ تم تشييده في الغرب على أساس متين من الحرية الفردية والعدالة والمساواة، وهو أساس استغرق بناؤه قرونًا طويلة.
رحلة الغرب: ستة قرون من أجل الحرية
لم تكن الديمقراطية في الغرب وليدة لحظة، بل كانت تتويجًا لكفاح تاريخي مرير امتد لستة قرون. بدأت الشرارة الأولى بوثيقة “الماجنا كارتا” في بريطانيا عام 1215، التي أرست مبادئ الحقوق والحريات، وبلغت ذروتها مع اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789. على مدار هذه القرون، حصل المواطن الأوروبي أولاً على حريته وكرامته وحقه في العدل والمساواة، وبعد أن تحققت إنسانيته الحديثة، جاءت الديمقراطية ومؤسساتها في القرنين التاسع عشر والعشرين كتحصيل حاصل.
الجذور الفكرية: من ابن رشد إلى ثورة الأكويني
ومن المفارقات أن مشاعل الاستنارة التي أضاءت لأوروبا هذا الطريق انطلقت من عالمنا، حيث كان الفيلسوف ابن رشد يشرح فلسفة أرسطو في القرن الثاني عشر. على خطاه، جاء القديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر ليقوم بثورة فكرية، متحديًا الفكر السياسي المستقر الذي كان يرى أن “السلطان من الله”. قال الأكويني كلمته التاريخية بأن “السلطان من المجتمع ومن الأمة”، ليضع بذلك اللبنة الأولى في صرح الدولة الحديثة التي تقوم على سيادة الشعب.
معضلتنا اليوم: الصندوق قبل الإنسان؟
هذا السياق التاريخي يلقي بظلاله على واقعنا اليوم. نحن نطالب بصناديق الانتخاب الديمقراطية ونتوق للحقوق المدنية، لكننا غالبًا ما نقفز فوق المرحلة الأهم: بناء الإنسان الحر الذي يدرك أن الأمة هي مصدر السلطات. نريد دستورًا فعالاً، لكنه يظل حبرًا على ورق حين لا يستند إلى مجتمع ترسخت فيه قيم العدل والمساواة والكرامة الفردية. إن الدرس التاريخي واضح: الديمقراطية تبدأ بتحقيق إنسانية الإنسان، وليس فقط بوضع ورقة في صندوق.
الدليل نيوز عشان البلد والناس
لتبقى على اطلاع دائم بآخر المستجدات والتطورات في جميع المجالات، ندعوك للانضمام إلى مجتمعنا.




