منصات التواصل.. بديل الإعلام أم فوضى الكلمة؟

كتب : منصور عبد المنعم
لم يعد الناس ينتظرون نشرة التاسعة ولا الصحف الورقية لمعرفة ما يحدث حولهم، فكل ما يريدونه يصلهم في لحظة عبر شاشة الهاتف. من “بوست” على فيسبوك، أو “ستوري” على إنستجرام، أو مقطع قصير على تيك توك، يتشكل وعي الملايين وتُبنى المواقف، وربما تُشعل الأزمات أيضًا.
لكن هذا التحول السريع طرح سؤالًا كبيرًا: هل أصبحت منصات التواصل بديلاً حقيقيًا للإعلام؟ أم أنها مجرد فوضى تُغرق الحقيقة وسط ضجيج الكلمات؟
الشائعة أسرع من الحقيقة
في الماضي، كانت الأخبار تحتاج ساعات لتنتقل من مكان إلى آخر، أما اليوم، فمجرد صورة أو جملة من ثلاثة أسطر قد تثير أزمة في دقائق.
انتشرت خلال السنوات الأخيرة عشرات الشائعات عبر مواقع التواصل، بعضها عن ارتفاع الأسعار، وأخرى عن قرارات حكومية لم تصدر أصلًا، أو حوادث محلية ثبت لاحقًا أنها مختلقة.
ويؤكد خبراء الإعلام أن سرعة النشر أصبحت سلاحًا ذا حدين: فهي تتيح للمواطنين معرفة الأخبار فورًا، لكنها في الوقت نفسه تُضعف مصداقية المعلومة حين تغيب عنها الدقة والتحقق.
الإعلام التقليدي في مأزق
يواجه الإعلام المهني اليوم معركة صعبة لاستعادة ثقة الجمهور، بعدما وجد نفسه محاصرًا بين سرعة السوشيال ميديا وضغوط المصداقية.
يقول أحد الصحفيين الشباب: “القارئ اليوم لا ينتظر منا الخبر، بل ينتظر التفسير والتحليل، لأنه رأى الحدث قبلنا بعينيه على الإنترنت.”
ومع ذلك، تبقى المنصات الرسمية أكثر التزامًا بالتحقق والمصداقية، وهو ما يجعلها صمام أمان في زمن تتسابق فيه الصفحات على السبق لا على الحقيقة.
جيل جديد يعيش داخل الشاشة
من اللافت أن أغلب الشباب اليوم يتلقون كل معلوماتهم من الإنترنت.
يدخلون المنصات مع أول لحظة استيقاظ، ويتنقلون بين الفيديوهات والتعليقات كما لو كانوا يعيشون في عالم موازٍ.
تقول “مي”، طالبة جامعية: “أنا لا أتابع نشرات الأخبار.. أعرف كل شيء من السوشيال ميديا، لكن أحيانًا أكتشف إن اللي شفته مش حقيقي.”
هذا التحول يعكس أزمة ثقة وغياب وعي رقمي حقيقي، خصوصًا في القرى والمناطق الريفية حيث تنتشر الصفحات المجهولة والمعلومات غير الموثقة.
القانون بين الحرية والفوضى
تسعى الدولة المصرية في السنوات الأخيرة إلى مواجهة الأخبار الكاذبة ومحاسبة مروّجيها، لكنّ الجدل لا يزال قائمًا بين من يرى ذلك حمايةً للمجتمع، ومن يراه قيدًا على حرية التعبير.
ويرى بعض القانونيين أن الحل ليس في تقييد النشر، بل في نشر ثقافة المسؤولية الرقمية، وتوعية المستخدمين بخطورة “المشاركة العشوائية” دون التحقق من المصدر.
بين الصوت والضجيج
منصات التواصل منحت المواطن البسيط صوتًا كان غائبًا، لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب أمام فوضى لا حدود لها.
وفي زمن أصبحت فيه الكلمة أقوى من الرصاص، لا يحتاج المجتمع فقط إلى قوانين تُحاسب، بل إلى وعي يُفرّق بين الحقيقة والشائعة، وبين الإعلام الحر والضجيج الرقمي.



