حضارة وتاريخسلايدر

بادج (كاهن المتحف البريطاني… وسارق مقابر المصريين!)

(تهريب الآثار المصرية ١٩)

دكتور قاسم زكى
أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة المنيا،
عضو اتحاد الأثريين المصريين، وعضو اتحاد كتاب

من هو واليس بادج؟

موعدنا الأن مع “واليس بادج” (. Wallis Budge؛ 1857م-1935م) وهو عالم المصريات البريطاني الشهير، والذي يوصف بـ “عملاق المصريات”. كان عالم آثار ومستشرقًا إنجليزيًا، اسمه ارتبط بشكل وثيق بتاريخ نهب الآثار المصرية، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. شغل منصب أمين قسم الآثار المصرية والآشورية في المتحف البريطاني، حيث جمع كمًا هائلاً من اللوحات المسمارية والبرديات المصرية والمخطوطات اليونانية والقبطية والعربية والسريانية والإثيوبية لتعرض هناك. واليس بادج شخصية مثيرة للجدل في تاريخ علم المصريات، فمن ناحية هو عالم عبقري ساهم في اكتشاف وتوثيق العديد من الآثار الهامة، ومن ناحية أخرى، فهو متورط في ممارسات استعمارية مثيرة للجدل كتهريب الآثار المصرية للخارج.واليس بادج، تهريب الآثار المصرية، المتحف البريطاني، كتاب الموتى، نهب المقابر

بداية عمله بالمتحف البريطاني

فبادج واحد من أبرز ناهبي آثار مصر، ومن أشدهم جشعا خلال القرن التاسع عشر، بدأ حياته الوظيفية بالمتحف البريطاني عام 1883م؛ حيث تولى وظيفة مساعد أمين جناح الآثار المصرية، وعمره 26 عاما، واستمر وترقى لمدة 41 عاما كاملة بالمتحف حتى عام 1924م، وأرسله المتحف في مهمات رسمية عديدة إلى مصر من أجل جلب قطع الآثار الثمينة، فنجح في ذلك نجاحا باهرا، كما نجح أيضا في نهب آثار العراق والسودان!

سفرياته إلى مصر والعراق

وقـد فـصّـل والـيـس بادج الـكـلام عـن سـفـراتـه إلى مـصـر والـعـراق وما استولى عليه من أثار وسلوكياته مع أهل البلاد وانطباعاته عنهم في كـتـاب بـجـزئـيـن صـدر في لـنـدن عـام 1920م بـعـنـوان: “بواسطة النيل ودجلة، سـرد سـفـرات في مـصـر ومـا بـيـن الـنّـهـريـن لـصـالـح الـمـتـحـف الـبـريـطـاني بـيـن 1886 و1913م”.يحكي بادج انه زار مصر عدة مرات وكلها مهمات رسمية لصالح المتحف البريطاني كان أولها 1886م-1887م؛ والثانية 1887م-1888م، بينما الثالثة 1890م-1891م،

تلتها عدة مهام أخري بلغت ثلاث عشرة مرة بين عامي 1891م و1913م. وعلى عكس “مارييت” لم يكن بادج مهتمًا بالتنقيب ومشقته، بل كان يقوم بالشراء من تجار الآثار مباشرة وقليلا ما ينقب بنفسه. وقد كانت زيارته الأولى لمصر نتيجة لأنشطة الجنرال البريطاني السير “فرنسيس جرينفيل” قائد القوات البريطانية في مصر، الذي كان يقضي أوقات فراغه في التنقيب عن الآثار المصرية التي عرض إهداؤها للمتحف البريطاني شريطة أن يرسلوا إليه أحد الخبراء لتقدير ثمنها، ومعرفة قيمتها، فأرسلوا له “بادج”.

شبكة علاقاته وطرق التهريب

تمكن بادج من إنشاء شبكة علاقات وطيدة مع الأهالي في كل من الأقصر والقاهرة؛ وكثير من تجار ومهربي الأثار المصرية (سواء مصريين أم أجانب) ففُُتحت له المقابر وبيعت له درر الأثار المصرية وساعده في مهمته عديد من كبار العسكريين البريطانيين في تجميع ونقل وتهريب مئات القطع الأثرية وأرسالها إلى بريطانيا. واستطاع بادج أن يعود إلى المتحف البريطاني في أول مهمة حاملا معه 24 صندوقا مليئا بقطع الآثار النادرة. بادج ساهم بشكل كبير في نهب الآثار المصرية وتهريبها لتملأ قاعات المتحف البريطاني، بل كان لديه عنصرية وتعال على المصريين فلم يكتف فقط بأعمال اللصوصية التي لم يسبقه إليها أحد،

بل زاد عن ذلك بعنصرية بغيضة واحتقار لكل ما هو مصري. كان بادج يشتري الآثار المهربة بأسعار زهيدة، ثم يزعم أنه عثر عليها في أثناء رحلاته الاستكشافية، مما يمنحه غطاءً شرعياً لتهريبها. في بعض الأحيان، كان بادج يستولي على الآثار بالقوة أو بالخداع، مستغلاً نفوذه وسلطته. وقد نجح في تهريب كميات هائلة من الآثار، مما ساهم في إفقاد مصر جزءًا كبيرًا من تراثها.

بصمات بادج في التاريخ المصري القديم

 ومع ذلك كان لبادج بصمات واضحة في التاريخ المصري القديم، فقد اكتشف بادج العديد من القطع الأثرية الهامة، بما في ذلك بردية “آني” الشهيرة في أحد مقابر طيبة، وحتى حين حرزت الشرطة تلك البردية وقطع أثرية أخري في منزل استأجره بادج بالأقصر ليخبأ فيه ما استولى عليه. قام بحفر سرداب أسفل المنزل وهرب تلك المقتنيات الى المتحف البريطاني.
وعثر على أقدم مومياوات مصرية في وادي النيل (جبلين) بجوار إسنا من عصر ما قبل الأسرات بمصر تعود لحوالي 3400 ق.م، وتعرض حاليا في المتحف البريطاني بلندن. وحتى شواهد قبور المقبرة الفاطمية بأسوان لم تسلم منه، وبعضها يعرض في لندن حاليا. نهب عديد من البرديات القبطية واليونانية أيضا ونقلها الى لندن. وكان له أساليب شيطانية لتهريب أوراق البردي وكافة المقتنيات لبريطانيا.

إسهاماته العلمية ومؤلفاته

وقام بادج بتوثيق الآثار المصرية القديمة بدقة متناهية، وساهم في نشر المعرفة حول الحضارة المصرية القديمة من خلال كتبه ومقالاته العديدة. وكان بادج كاتبًا غزير الإنتاج، وترك لنا تراثًا أدبيًا ضخمًا، خاصة في مجال الدين المصري القديم. وقد تجاوزت كتبه عن الحضارة المصرية مئة وأربعون مؤلفا، التي لا تزال مرجعًا أساسيًا للباحثين في هذا المجال. ومن أهم مؤلفاته “آلهة المصريين “، وهو أحد أشهر أعماله، وهو دراسة شاملة للآلهة المصرية القديمة.

واشتهر بترجمته لكتاب الموتى (les morts de papyrus). وكان لـ”بادج” الكثير من الاكتشافات الأثرية، لكنه كان يستخدم في تلك الاكتشافات وسائل فجة وغير مستساغة، مما أغضب “ماسبيرو” مدير مصلحة الأثار المصرية وضايق “لورد كرومر” قنصل بريطانيا العام بمصر وبعض موظفي الحكومتين الإنجليزية والفرنسية بمصر الذين استاءوا من أفعاله، ولكن بادج لم يعبأ بذلك كله بدعوى ولائه للمتحف البريطاني والسعي لتحقيق أهدافه.

وبعد أكثر من 15 مهمة في مصر (خلال السنوات 1886م-1913م)، تجاوزت تهريباته أكثر من عشرة آلاف قطعة أثرية مصرية مثلت 10% من مجمل الأثار المصرية بالمتحف البريطاني وحظي بالتكريم وبلقب فارس عام 1920م.

أبرز جرائمه

سرقة كتاب الموتى: واحدة من أبرز جرائم بادج هي سرقة عدد كبير من “كتب الموتى” من المقابر المصرية، والتي تعد من أهم النصوص الدينية في الحضارة المصرية القديمة. كما لم يتردد بادج في تدمير المقابر المصرية للوصول إلى الآثار الموجودة بداخلها، مما تسبب في خسائر فادحة للتراث المصري. كان بادج يقوم بتزوير السجلات وتغيير أصول القطع الأثرية التي كان يحصل عليها، مما صعّب عملية تتبعها وإعادتها إلى مصر. كان لبادج دور كبير في تشجيع تجارة الآثار غير المشروعة، حيث كان يشتري الآثار من المهربين بأسعار مرتفعة، مما زاد من الطلب على هذه التجارة. وتسببت أعمال بادج في تشويه سمعة علم الآثار، حيث ربط اسمه بأفعال غير أخلاقية.

ما جلبه بادج من مصر إلى المتحف البريطاني

توابيت تيهوتي-هيتيب (الأسرة الثلاثون) وأوهابرا (الأسرة السادسة والعشرون) وقائم بتاح (الأسرة الثلاثون). التوابيت الخشبية المستطيلة من نفس الفترة من أسيوط وبني حسن. ورسائل تل العمارنة وهي مراسلات دبلوماسية بين ملوك كبرى ممالك الشرق القديم وملوك الأسرة الثامنة عشرة المصرية، فقد تحصل على حوالي 82 لوح طيني منقوش باللغة المسمارية. ومومياوات جبلين من عصر ما قبل الأسرات بمصر تعود لحوالي 3400 ق.م. وبردية “آنى” التي طولها 78 قدما وبها النص الكامل لكتاب الموتى. والنسخة الوحيدة الباقية من أطروحة أرسطو حول الدستور اليوناني القديم لأثينا.

نهاية قصة بادج

لعل “جيفري كلارفيلد (موسيقي وعالم أنثروبولوجيا ورحالة)، لخص حياة “بادج” في مقال بعنوان (من لقيط إلى فارس المملكة: قصة النجاح المذهلة للسير أرنست واليس بادج). استطاع بادج أن يسجل اسمه في قائمة عظماء التاريخ وله أعمال كثيرة خلدت اسمه في صفحات التاريخ، أعمال يعدها البعض مؤثرة في تاريخ العلوم الإنسانية، ومنها ما يعد مشين هذه الأيام. توفت زوجة بادج (“دورا هيلين إيمرسون) في 18 أكتوبر عام 1926م في مدينة لندن عن عمر يناهز 68 عاما، ودفنت في مقبرة نونهيد، لندن (Cemetery, London Nunhead؛(وحين توفي زوجها بادج في 23 نوفمبر 1934م عن عمر يناهز 77 عاما، دفن بجوارها في نفس المقبرة.

روابط داخلية ذات صلة

يمكنك متابعة السلسلة الكاملة عن تهريب الآثار المصرية عبر:
كارل ليبسيوس ونهب الآثار المصرية
شامبليون وفك الطلاسم وتهريب الآثار.

مصادر رسمية

للتأكد من تفاصيل القضايا المرتبطة بالآثار يمكن الرجوع إلى:
المجلس الأعلى للآثار
المتحف البريطاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights