
بقلم: كريم محمد
ما زالت أصداء الجريمة المروعة التي استيقظت عليها محافظة الإسماعيلية تتردد في جنبات الشارع المصري، تلك الواقعة التي لم تكن مجرد حادثة قتل عابرة، بل فاجعة إنسانية بكل المقاييس راح ضحيتها طفل غدر به صديق عمره. اليوم، وفي تطور قضائي هام يكشف سفاح المنشار الإسماعيلية فصولاً جديدة في القضية المعروفة إعلامياً بـ «جريمة المنشار الكهربائي»، ينشر موقع «الدليل نيوز» التفاصيل الكاملة والمثيرة لقرار إحالة المتهم إلى المحاكمة الجنائية، كاشفاً عن كواليس ما دار في الغرف المغلقة وتفاصيل الخطة الشيطانية المستوحاة من عوالم الإنترنت المظلم.
أين وقعت الجريمة؟
الجريمة وقعت في محافظة الإسماعيلية، حيث استدرج المتهم صديقه من محيط مدرسته إلى مكان معزول لتنفيذ خطته. اختيار المكان لم يكن عشوائياً، بل جاء وفق تخطيط مسبق يضمن له الانفراد بالضحية بعيداً عن الأنظار.
متى بدأت القضية؟
بدأت القضية مع وقوع الجريمة في نوفمبر الجاري، وتحديداً قبل أيام قليلة من صدور قرار الإحالة الرسمي. وقد حددت النيابة العامة يوم الخامس والعشرين من نوفمبر موعداً لانعقاد أولى جلسات المحاكمة أمام محكمة جنايات الأحداث.
لماذا ارتكب المتهم الجريمة؟
التحقيقات أثبتت أن الدافع لم يكن مادياً فقط، بل نفسياً وفكرياً. المتهم تأثر بشكل مباشر بمسلسل أجنبي («ديكستر») وبمحتوى عنيف على الإنترنت المظلم، حيث دفعه التقليد الأعمى والتحديات الإلكترونية إلى تنفيذ جريمة وحشية غير مسبوقة بين الأحداث.
كيف تعامل القانون مع القضية؟
القانون المصري واجه القضية وفقاً لنصوص قانون الطفل المصري، الذي يمنع الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد على من هم دون 18 عاماً. لذلك، أقصى عقوبة قد يواجهها المتهم هي السجن من 15 إلى 20 عاماً في مؤسسة عقابية.
جلسة الحسم: 25 نوفمبر
أكد الأستاذ عبدالله وطني، محامي أسرة المجني عليه، صدور أمر الإحالة الرسمي للمتهم (يوسف. أ) إلى محكمة جنايات الأحداث. وقد تحدد يوم الخامس والعشرين من شهر نوفمبر الجاري موعداً لانعقاد أولى جلسات المحاكمة، لتسدل الستار عن مرحلة التحقيقات وتبدأ مرحلة القصاص العادل. تفاصيل مشابهة نشرتها «الدليل نيوز» في ملف جرائم الأحداث في مصر.
خمس تهم ثقيلة تواجه «سفاح المنشار الإسماعيلية»
كشفت أوراق القضية أن النيابة العامة لم توجه للمتهم تهمة القتل فحسب، بل حاصرته بخمس تهم رئيسية: القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، الخطف والتحايل، السرقة بالإكراه، حيازة أسلحة بيضاء، وحيازة أدوات تستخدم في الاعتداء. هذه التهم تجعل من الإفلات من العقاب أمراً مستحيلاً وفقاً للقانون.
من «ديكستر» إلى الواقع.. عندما يصبح الخيال دموياً
التحقيقات أشارت إلى أن المتهم كان متأثراً بشدة بشخصية «ديكستر» بطل المسلسل الأجنبي الشهير. لم يكتف بالمشاهدة، بل طبق ما رآه عملياً، وهو ما يفتح النقاش حول تأثير المحتوى العنيف على المراهقين. تفاصيل مشابهة ناقشناها في قانون الطفل المصري والجدل المجتمعي.
الأب شريك في الجريمة.. سقوط العائلة
التحقيقات أثبتت أن والد الطفل المتهم تورط في محاولة طمس معالم الجريمة، عبر تنظيف الدماء ومحاولة التخلص من الأدلة. وهو ما جعله يواجه تهمة «التستر على جناية»، ليقبع هو الآخر خلف القضبان.
مأزق القانون وغضب الرأي العام
رغم بشاعة الجريمة، إلا أن القيد القانوني المتمثل في سن المتهم يقف حائلاً دون الحكم بالإعدام. وفقاً للمادة 111 من قانون الطفل المصري، فإن أقصى عقوبة يمكن أن توقع على المتهم هي السجن من 15 إلى 20 عاماً.
القضية ليست مجرد حادثة قتل، بل إنذار شديد اللهجة لكل أسرة مصرية. نحن أمام غزو فكري عبر الشاشات وتحديات رقمية تحول البراءة إلى وحشية. وبينما ينتظر الجميع كلمة القضاء، يبقى الدرس الأهم: راقبوا ما يشاهده أبناؤكم، قبل أن يتحول الخيال الرقمي إلى واقع مأساوي لا يمكن تداركه.
الأبعاد الاجتماعية والنفسية للجريمة
لا يمكن النظر إلى قضية «سفاح المنشار» في الإسماعيلية باعتبارها مجرد حادثة فردية، بل هي انعكاس لمجموعة من الأزمات الاجتماعية والنفسية التي يعيشها بعض المراهقين في مصر والعالم. فالمتهم لم يكن يعيش في فراغ، بل كان محاطاً ببيئة رقمية مفتوحة على مصراعيها، حيث المحتوى العنيف متاح بضغطة زر، وحيث غياب الرقابة الأسرية والمدرسية يترك الأطفال فريسة سهلة للأفكار المظلمة. هذه الجريمة تطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن أن يتحول طفل في عمر الزهور إلى قاتل محترف يقلد مشاهد درامية ويطبقها على أرض الواقع؟
الخبراء النفسيون يؤكدون أن المراهقين في هذه المرحلة العمرية يكونون أكثر عرضة للتأثر بما يشاهدونه، خاصة إذا كان المحتوى يقدم لهم نموذجاً بطولياً زائفاً لشخصية عنيفة مثل «ديكستر». ومع غياب التوجيه الأسري، يصبح التقليد الأعمى وسيلة لإثبات الذات أو البحث عن الشهرة، حتى لو كان الثمن حياة إنسان بريء. هنا يظهر دور الإعلام والمدرسة والمجتمع في ضرورة توعية النشء بخطورة الانسياق وراء هذه النماذج، وضرورة تقديم بدائل إيجابية تعزز القيم الإنسانية.
التداعيات القانونية والتشريعية
القضية أيضاً تفتح الباب أمام نقاش واسع حول التشريعات المصرية الخاصة بالأحداث. فبينما يحمي القانون الطفل من العقوبات المغلظة، يرى كثيرون أن بعض الجرائم الحديثة تتطلب إعادة النظر في هذه المواد، خاصة حين يقترن الفعل بسبق الإصرار والترصد واستخدام أدوات قتل متطورة. تعديل القانون لا يعني بالضرورة إلغاء الحماية، بل إيجاد صيغة توازن بين حقوق الطفل وحقوق المجتمع في الأمن والعدالة. وقد بدأت بالفعل أصوات قانونية تطالب بإنشاء محاكم متخصصة لجرائم الأحداث الخطيرة، بحيث يتم التعامل معها بجدية أكبر دون المساس بالحقوق الأساسية للطفل.
رسالة إلى المجتمع
في النهاية، قضية «سفاح المنشار» ليست مجرد ملف جنائي، بل هي رسالة تحذير إلى كل بيت مصري. التكنولوجيا سلاح ذو حدين، وإذا لم يتم استخدامها بشكل رشيد، فقد تتحول إلى أداة لتدمير القيم والأرواح. المطلوب اليوم ليس فقط محاكمة الجاني، بل محاكمة الظواهر التي أنتجت هذه الجريمة: غياب الرقابة، انتشار المحتوى العنيف، ضعف التوعية، وتراجع دور المؤسسات التربوية. إن مواجهة هذه التحديات تتطلب تكاتفاً مجتمعياً شاملاً، يبدأ من الأسرة ولا ينتهي عند حدود القانون.




