مقالات

  لماذا يحتقرنا ترامب؟!!

 

بقلم : الدكتور رضا عبد السلام

من يقرأ جيدا تاريخ الولايات المتحدة، ورحلتها مع العالم، حتما سيدرك ان تاريخها هو تاريخ للدماء واستنزاف الشعوب وصناعة المؤامرات والفساد والفاسدين.

 

بدأت رحلة الكاو بوي “الأوروبي” على أرض أمريكا عندما تمت إبادة اصحاب الارض الأصليين(بالملايين) وبلا رحمة أو إنسانية، وهم الهنود الحمر!!! …

 

أقام الوافدون المعتدون من بريطانيا وإيرلندا إمبراطوريتهم على دماء وجماجم اصحاب الارض، واستخدموا في جريمتهم التاريخية الأسلحة المتطورة آنذاك، القادمة من “بريطانيا العظمى”، في مقابل الأدوات البدائية التي كان يستخدمها الهنود الضعفاء.

 

بعد ذلك، بدأ اللص الامريكي مرحلة اخرى من مراحل الاستعباد والعبودية، بان استقدموا ملايين الافارقة للعمل في الارض والمصانع، ولركوبهم كالحمير،

 

وفِي رحلتهم مع السود، دفنوا وأبادوا ونكلوا بالملايين منهم. ولَم يحظى الافارقة بحقوقهم المدنية والسياسية الا بعد رحلة دموية طويلة، وطوب الارض يعرف بهذا التاريخ الأسود.

 

حتى عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، وبطبيعة العصابات، استخدمت الولايات المتحدة الأسلحة المحرمة دوليا، ودكت -مثلا- اليابان بالقنابل النووية (هيروشيما ونجازاكي)، ومات الملايين، وما زال الملايين يعانون بسبب الانبعاثات النووية، فانتصر الحلفاء بقيادة امريكا، وخرجت امريكا من هذه الحرب كقوة عظمى للعالم بدلا من بريطانيا!!!

 

واصلت امريكا رحلة نهبها لمقدرات الدول والشعوب وابادة الملايين، طمعا في الثروات وتركيعا للأمم.

 

فدخلت في حروب في كوريا وفيتنام…الخ، ودخلت في صراع تسلح، لدفن وتقويض الاتحاد السوفيتي، ونجحت في تحقيق ذلك، إلى أن ركع، وأعلن عن حل وتفكيك الاتحاد السوفيتي عام 1989.

 

على مدار القرن المنقضي، ارتكبت الولايات المتحدة اخطر جريمة بحق باقي الامم والشعوب، بان سعت بقوتها العسكرية لتنصيب أنظمة سلطوية فاشلة وفاسدة ومتعفنة، على رؤوس الدول في الشرق، لتظل تابعة وخاضعة لها، وفِي ذات الوقت لتخلق تلك الأنظمة الديكتاتورية الفاشلة بيئة طاردة للكفاءات والعلماء،

 

لم يكن امام تلك الكفاءات سوى باب وحضن الولايات المتحدة “الحنين”!!! فاحتضنتهم ليس محبة فيهم، ولكن لبناء مجدها العلمي والحضاري على أنقاض الدول التي هاجروا منها…

 

فبمرور الوقت تحولت الولايات المتحدة الى واحة حاضنة للعلم والعلماء (ولا تزال) في حين تحولت دول الأنظمة التابعة والخاضعة الى بيئة فاسدة طاردة وداهسة للعلم وأهله.

 

على المستوى العربي، ولكي تأمن اسرائيل وتهنأ على ارض فلسطين، كان مطلوبا هدم اي منافس محتمل او قوة محتملة، ولهذا أشغلت الولايات المتحدة العرب بأنفسهم ويتخلفهم وجهلهم…

 

نعم…امريكا تديرها وتحركها الماسونية والصهيونية العالمية، فطبيعي ان ينشغلوا خلال العقود الغابرة الماضية بتكريس الجهل والفقر والتخلف والاستبداد على الارض العربية…ويكون الحصاد هو الضعف العربي في مواجهة التفوق الاسرائيلي.

 

اعتادت امريكا خلال العقود الماضية على اللعب في الظلام وبكل شيء لنهب ثروات وخيرات العرب بطريقة راقية،

 

ولكن ترامب ليس كذلك، فهو يجيد النباح، ولا يعرف الرقي او الأدب او التأدب في اي شيء، فلولا حمرة الخجل، لبصق في وجوهنا كعرب أغبياء!!!

 

ففِي سبيل كسب المعركة امام منافسيه السياسيين في امريكا، استخدم المطية العربية – كما هي العادة- ولكن بوقاحة غير مسبوقة،

 

ولهذا وقف في اكثر من خطاب يتباهى بانه أتى لامريكا بمليارات “البترول” من شعوب وانظمة لا تحسن التدبير، ليخلق ملايين فرص العمل للامريكين،

 

وان على العرب وتحديدا المملكة العربية السعودية، ان يدفعوا ثمن لبقائهم وحماية الكاو بوي لأنظمتهم، التي لا يمكن ان تصمد لأسبوع لولا حماية أمريكا لهم!!!

 

هذا اتهام صريح وواضح بعمالة وتبعية الأنظمة العربية للولايات المتحدة، وبالتالي هي التي ترعاها وتبقيها رغم أنف الشعوب…هل هناك من تفسير آخر؟!!!!!!!

 

إنه احتقار غير مسبوق للعرب، ومن رئيس دولة يفترض فيها انها اكبر دولة في العالم.

 

بالقطع، ما كان لترامب أن يتجرأ علينا هكذا الا لقناعته التامة بعجزنا وموتنا وفشلنا كعرب…هل يجرؤ ان يتحدث هكذا عن ألمانيا او فرنسا؟! لا لا…نحن كعرب وكأنظمة عربية نجني حصاد ما زرعنا من زرع مسموم ونتن على مدار عقود مظلمة.

 

وماذا بعد؟! هل نظل نبكي على اللبن المسكوب ونندب حظوظنا؟!

 

أن تأتي متأخرا خيرا من الا تأتي، وبما أن كل يبكي على ليلاه، فقد آن الاوان لنا كعرب أن نبكي على ليلانا… ولنتذكر ان المرة الوحيدة (أكتوبر 1973) التي اتحدت فيها إرادة وكلمة العرب أيدنا الله فيها بنصره.

 

لابد من عودة مصر ليعود العرب…فما سقط ووهن العرب الا بعد ان أغمد صوت مصر…أليس كذلك؟! هي مصر وهذا قدرها ومن ينكر هذه الحقيقة هو عدو لكل ما هو عربي.

 

وهاهي مصر تعود شيئا فشيئا، وانا كمواطن مصري عربي، رغم ما أدركه من سلبيات على مستوى بعض السياسات الداخلية، ولكني أدرك أيضا أهمية خطوات استعادة وزن مصر سياسيا وعسكريا، وسعي مصر لتنويع سلة مصالحها مع العالم…هذه خطوات مقدرة تماما.

 

من هذا المنطلق، لابد من ان تدعو مصر لعقد اجتماع طاريء للجامعة الميتة، وهي جامعة الدول العربية، لإعادة هيكلتها ووضع سياسات وبرامج للتنفيذ لا للتنظير، تستهدف تحقيق وحدة اقتصادية عربية حقيقية.

 

لابد من كشف الأنظمة العميلة امام شعوبها، فأي نظام سيعارض تلاحم الشعوب العربية اقتصاديا وتجاريا وعسكريا لابد من مواجهته وفضح عمالته وخيانته للارادة العربية التي هي حلم كل عربي أصيل.

 

همسة أخيرة في أذن القابعون على صدور الشعوب العربية، ماذا تنتظرون؟! اذهبوا أنى شئتم، لوذوا بمن شئتم، والله لن تجدوا أأمن ولا أحن ولا أرحم من شعوبكم بكم أو عليكم…فارحموا شعوبكم واتقوا الله فيهم…يرحمكم الله ويرحمكم التاريخ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights