أصل وتاريخ قرية الجوسق ” القصر الصغير “
كتب : منصور عبد المنعم
تعد الجوسق من القري القديمة في مركز بلبيس وذهب مؤرخون وعلماء اللغة إلي أن جوسق كلمة فارسية تعني حصن الجنود وهناك من ذهب إلي أنها نشأت في زمن غزو قمبيز لمصر ونهاية دولة الفراعنة حكم الفرس لمصر والذي كان قبل 525 سنة قبل ميلاد المسيح عليه السلام وأنه في تلك الفترة أتخذ أحد أمراء الفرس من تلك القرية مقرا لإقامته وبني بها حصن صغير وبدخله قصر صغير بالقرب من مدينة بلبيس عاصمة الإقليم الشرقي للدولة المصرية آنذاك والتي كثر بها الثورات كبقية المدن المصرية ضد المحتل الفارسي .. فصارت تلك البقعة القريبة من بلبيس تعرف بـ جوسق أي الحصن .
وفي زمان الإغريق البطالمة والرومان حرف الأسم “جثاليق ” وبعد الفتح الإسلامي لمصر عاد الاسم لسابق عهده جوسق وأضيفت لها أل في عهد محمد علي باشا 1810م فصارت تعرف من يومها بــ الجوسق .
وفي المعجم الوسيط فأن كلمة الجوسق تعني القصر الصغير أو الحصن والجمع جواسق . وفي كتاب معجم البلدان للعلامة ياقوت الحموي فأن الأصل اللغوي مستمد من جوز قان بفتح الزي والقاف وأخره نون وهي من قري همذان في فارس وقيل أيضا أن الجوزقان جبل في أرض الأكراد كما أن جوزقان من نواحي نيسابور وهناك من قال جوزة بالضم ثم السكون وهي قرية في جبال الهاكرية الأكراد بالقرب من المواصل ، ومن الثابت تاريخيا أن هجرات عدة تمت في أزمنة مختلفة إلي مصر وكان المهاجرون يحملون أسماء المناطق التي خرجوا منها ولذلك فهناك قري عدة في بلدان عربية تحمل أسم الجوسق فهناك الجوسق قرية كبيرة من نواحي دجيل من أعمال بغداد بالعراق والجوسق من قري النهروان والجوسق أيضا جوسق بن مهارش بنهر الملك والجوسق بالقيرون بتونس والجوسق قرية كبيرة عامرة بالحوف الشرقي من أعمال بلبيس في مصر
وقد ذكر المؤرخون قرية “الجوسق: في موضع كثيرة ووصفوها بأنها من قري بلبيس أبرزهم علي مبارك في القرن التاسع عشر في كتاب الخطط التوفيقية
حيث ذكرها باسم “جوسق ” وأن بها جامع ونخيل قليل .
الشيخ سليمان الجوسقى .. اعمى تحدى نابليون بونابرت وصفعه وسط جنودة وهو يردد : معذرة يا بونابرتة هذه ليست يدي هذه يد الشعب
رجل اعمى .. قدم االى القاهرة من قرية تدعى الجوسق بمركز بلبيس بمحافظة الشرقية للتعلم فى الازهر الشريف واشتهر ببطولاته الخارقة فى زمن مجىء الحملة الفرنسية الى مصر .«1798 – 1801″. عندما انضم صفوف الثوار وصفع نابليون بونابرت وسط جنوده وهو يردد مقولته الشهيرة : معذرة يا بونابرتة هذه ليست يدي .. هذه يد الشعب
كان سليمان الجوسقي فى اثناء دراستة بالازهر شيخاً لطائفة العميان ومشرفاً عاماً على أوقافهم. وكان محبوباً من العامة والعميان وموضع تبركهم وقد نجح الرجل بمحبة العميان في ان يجمع ثروة كبيرة عن طريق ادارة اوقاف العميان والتجارة، وعندما اشتعلت ثورة القاهرة الاولى ضد الفرنسيين لجأ اليه العامة خوفاً من بطش العساكر الفرنسيين فخطب فيهم مشجعاً ومحفزاً على الصمود ودعا الناس الى قتال المحتلين حتي النهاية وقال في خطبة بليغة سجلتها كتب التاريخ: «انكم بشر مثلكم مثلهم، فاخرجوا اليهم فإما أن تبيدوهم أو يبيدوكم».
وبدأ الشيخ سليمان الجوسقي بنفسه فأخرج ما لديه من مال – وكان ثريا – واشتري به سلاحا ووزعه على الناس، وبث العميان في أنحاء القاهرة ليأتوا اليه بالاخبار، وانتقل الى الازهر لينظم المقاومة من داخل الجامع الشهير.
ويحكي المؤرخون ان الشيخ الكفيف كان يشق بحماره القاهرة متفقدا الاستحكامات والمتاريس ويستطيع احتياجات المجاهدين ويأمر بارسال السلاح والمؤن الى الاماكن التي تحتاج اليها، وينفق في ذلك عن سعة. كما يقال إنه استخدم بعض جواريه – وكن فائقات الجمال – في اصطياد عساكر الفرنسيين الى الحارات المظلمة والطرق الضيقة وقتلهم هناك.
كما كان الشيخ سليمان يستخدم جيشه السِّرّي من العميان في إيصال تعليماته وأوامره إلى الوجهاء والمشايخ وزعماء المدن والقرى، يحثّهم على الاستعداد للمعركة الفاصلة مع المستعمرين الفرنسيين، كما كان يُكلّف بعضهم باغتيال الجنود الفرنسيين، وكان يقوم العميان بأداء واجباتهم في سرّيةٍ وذكاء، واستطاعوا أن يقتلوا عدداً كبيراً من جنود الاستعمار.. يلتقطون السُّكارى منهم وهم خارجون من الحانات بعد منتصف الليل، حتى ضجّ قادة الجيش الفرنسي، واستطاع نابليون معرفة بعض الرؤوس التي كانت تُحرّض على الثورة ضدّه، كما عرف أنّ الشيخ سليمان الجوسقي هو الرأس المدبر، وهو قائد جيش العميان الذين يقومون بعمليّات القتل والاغتيال لجنوده، فثارت ثائرته، وأمر بإلقاء القبض على المشايخ الذين ظنّ أنّهم زعماء الشعب. وكان من بين هؤلاء هذا الشيخ: الأُعجوبة سليمان الجوسقي.
و اختفي الشيخ سليمان الجوسقي في منزل احد خاصته من العميان بمنطقة الحسين، حتي وشت به إحدى جواريه الغاضبة منه لسبب ما، وتم اقتياده بواسطة عساكر الفرنسيين الى سجن القلعة لاستجوابه ومحاكمته
وعندما مَثَلَ الشيخ سليمان بين يَدَي نابليون، أُعجب به نابليون وبدهائه وبذكائه الخارق، فطمع به، وراح يُناوره ويحاوره ويعرض عليه عُروضاً مُغرية، لعلّه يستطيع كَسبَهُ إلى جانبه، فشيخٌ أعمى مثله يتمكن من تشكيل جيش ضخم من العميان في سائر البلاد المصرية، جديرٌ أن يكون كسباً كبيراً له فيما لو استطاع إغراءه بالمنصب والجاه والمال، ولكن خاب فأل نابليون في استمالة هذا الشيخ القائد الأعمى الذي وقف صامداً في وجهه كالطَّود الأشم، لا يُبالي بترغيب أو ترهيب، بعد أن خسر المئات من جنوده العميان الذين قتلهم نابليون، وبعد أن فقد أكثر أتباعه والمتعاونين معه ممّن قتل بعضهم نابليون وشرّد وطارد بعضاً آخر.
كان الشيخ سليمان يستمع إلى عروض نابليون بونابارت في شموخ واستعلاء، وكان يُعلّق على كلّ عرض ساخراً ومستهزئاً بالعرض وصاحبه، حتى نَفِدَ صبر نابليون الذي أحسّ بالهزيمة أمام هذا الأعمى، وهو الذي قهر جيوش أوروبا وملوكها، ولكنّه تماسك قليلاً وأراد أن يداعب أحلام الشيخ سليمان، فعرض عليه أن يكون سُلطاناً على مصر كلِّها، وزعم له أنه لم يجد في مصر من هو في مثل كفاءته وقوته وقُدرته على تسيير الأمور. وتظاهر الشيخ الأعمى بالقبول.
ومدّ الشيخ سليمان يده إلى نابليون، كأنه يريد أن يبايعه، ويعلن رغبته في التعاون معه، وابتسامة ساخرة ترتسم على شفتيه، ومدّ نابليون يده فرحاً، ظنّاً منه أنه تغلّب على هذا الشيخ الأعمى، وكسبه إلى جانبه، حتى إذا أمسك الجوسقي بيد نابليون بيده اليمنى، لطمه بيده اليسرى لطمةً صبّ فيها كل ما في نفسه من آلام وأحزان وثارات وأحقادٍ على المستعمرين الغزاة،
وسجل الأديب الكبير علي أحمد باكثير هذا الموقف في مسرحيته التاريخية “الدودة والثعبان”، وأورد على لسان هذا البطل قوله: ” معذرة يا بونابرتة هذه ليست يدي .. هذه يد الشعب”
فجُنّ جنون القائد المنهزم نابليون، قاهر الملوك والجيوش، وصاح في نزق وصراخ شبيه بالعويل: «اقتلوا هذا الشيخ الأعمى..» هجم حُرّاس نابليون على الجوسقي البطل، وقتلوه. فصاح نابليون من جديد: «ألقوا جُثّته مع جثث أصحابه في نهر النيل، لتكون طعاماً للأسماك».
بلغ عدد السكان لغ إجمالي السكان في الجوسق 10086 نسمة، منهم 5164 رجل و4922 امرأة حسب إحصاءات سنة 2006