ثقافة وفن

اوركسترا الإنسان للشاعر كريم فريد

بقلم : الشاعر كريم فريد

الفَجر حين

قرر يشُق

بطن السما

طلِع النهار

اتنفِّس الصُبح ونَسَج

مُعظم خيوط النور على

كل المساحة المُمكنة مـ الأرض

كان العجوز كما كل يوم

نايم على جبين البلاط

وضلوعُه مُلَّه ومَرتَبَة

عايش على

سطح العمارة القايلة دايما للسقوط

بيشد عينُه بـ قوة من رَحِم النُعاس

بَعد النِزاع

فاق مـ الرقود

الله يعلم ما لَبِث

بس الأكيد

أثناء ما بيقاوم الزمن

كان عُمرُه عدَّي الخمسينات

يجي الصباح

يصنع علي إيدُه الربابات كلها

يصنعها من أشياء بسيطة وبعدها

بشويش بينفُخ فيها من روحُه فيصبح شكلها

آلة موسيقية بيلعب بيها دور عازف قدير

دا لإنه جزء مهم في اوركسترا الإنسان

يِحمِل علي ضهرُه الأغاني يرُش بيها الصمت فوق صدر الرصيف

أول ما يبدأ غنوتُه

علشان يُثير الانتباه

الشارع المُجرم في لحظة يصير أمان

بعد أمّا كان شاحب مُخيف

تخضَرّ روحُه وينتَشي

أول ما تُخرُج غنوتُه مالحلق يسمعها الجميع

أقدامُه طابعة علامة علي جسم الشوارع والحواري بالتساوي

مُظلِم وغاوي يمد نُوره ع الطريق نِبْراس

يحرق سيجارة اتنين كتير

يوصل لـ نُص العلبة أو أكتر

ويدفّي جسمه يحط رجل من فوقها رجل

يُنظُر إلي العالم

من أعلى جزء في روحُه باستعلاء ويبكي

يصحي على صوت الصّوِيت

وخناق وضرب ولمَّة وكإن القيامة بتبتدي

قام انتفض من ع البلاط .. و رَمَـا عينيه

من ع السطوح للأرض تنقل لُه الحَدث

ظابط معاه قوة وسلاح

عمَّال بيتخانق ونازل سَبّ فـ السُكان

بعد أمّا أخبرهُم بإن البيت دا جايلُه قرار إزالة

زاد الصّوِيت واليأس خيِّم ع المكان

وِشّ العمارة أِصفرّ فجأة الرُعب بان

حين حضرة الظابط أَمَرّ

البيت بقي كوم من تُراب

استقبل الصدمة بـ آسى .. وكإنها

كانت رصاصة طايشة طلعت بالغلط

رشَقِت في قلبُه وعششّت

بعد أمّا كان

عايش علي سطح العمارة من زمان دايمًا وحيد

دلوقتي عايش جوَّا أحضان الشوارع ليل نهار شبعان وَنَس

الدوشة مزيكا بنغم ملهوش عدد .. والناس كتير

والحُزن وسط الزحمة دي شىء مختلف

يارب يا اللي رحمتك

زادِت وعدِّيت كل شىء

ضاقت علي العبد الضعيف

نزعوا القمر من ليلي وطفوني

نزعوا الهوا من صيفي خنقوني

نزعوا الحياء مـ الكلمة سبّوني

نزعوا الحياة من روحي وسابوني

كـخيال مقاتة حتى ميخوفش طير

يارب يا اللي خلقتني في الدنيا دي لوحدي

وسايبني عايش انحني شايل الهموم وحدي

انقذني من هذا الجحيم

ومن الحياة من غير وجع

يارب متسيبنيش كدا خايف أموت وحدي

والخوف حرامي ابن كلب خسيس جبان

خلّاني بعد العُمر دا عايش مُهان

تنزل دموعه في قلبه من غير اشتباك

فـ ينام ويبدأ يوم جديد

الفجر فيه

قرر يشق

بطن السما

تْعِب النهار

اتنفِّس الصُبح أتخنق

مُعظم خيوط النور بَكِت

مع كل شىء في الأرض

كان العجوز غير كل يوم

نايم في أحضان التراب

ساب كل شىء من غير وداع

خلَّص رصيدُه من العذاب

والعَرض اهو بينشَع نشاز

دا لإن في عازف من الاوركسترا 

ترك الحياة .. وخدُوه غياب

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights