تحقيقات

ماجستير عن البورصة السلعية في تركيا


 كتب : رضا رفعت

تعد مشكلة عدم كفاية المعروض الغذائي المحلي من الغذاء، وتحقيق الاكتفاء الذاتي منه، أحد أهم المشاكل التي تتعرض لها كثير من دول العالم، ومن بينها مصر, التي ظلت أغلب فترات تاريخها مكتفية ذاتيًا، بل أطلق عليها قديما سلة غذاء العالم، إلا أنها تعرضت في العصر الحديث وخصوصًا خلال العقود الثلاثة الماضية لأزمات غذائية متكررة, بما يوجب العمل على رفع كفاءة منظومة الزراعة والتصنيع الغذائي والتي تحتاج إلى التكامل في كافة مراحلها بدءا من الزراعة حتى مرحلة التداول.

    ومؤخرًا حصل الباحث ياسر الشاذلي على درجة الماجستير في الاقتصاد، عن رسالة بعنوان (البورصة السلعية في تركيا والاستفادة منها في مصر)، وتمثلت المشكلة التي تناقشها الرسالة في المعاناة التي تواجهها أسواق الجملة للحاصلات الزراعية بوضعها الحالي!! ويأتي على رأس تلك المشكلات عدم قدرة تلك الأسواق علي تحقيق المقابلة المباشرة بين المنتج والمستهلك، وسيطرة كبار تجار السوق أصحاب السطوة, وقيامهم بفرض احتكاراتهم, كذلك انتشار البلطجة، وعدم وجود فحص صحي وفقا للمعايير العلمية الصحيحة، علاوة على عدم اعتماد تلك الأسواق لأنظمة تكنولوجيا المعلومات المتطورة، التي تستطيع أن توفر بيانات فورية أو تاريخية دقيقة عن أحجام وأسعار التداول وربط ذلك بأوضاع وأسعار السلع بدول العالم المختلفة، وبالتالي لم تستطيع أسواق الجملة بوضعها الحالي أن تتحول إلي منظومة متكاملة مسئولة عن التداول أو مترابطة مع باقي المنظومات المتعلقة بالغذاء.

وهدف الدراسة إلى التعرف على نظام البورصات السلعية للسلع الزراعية في تركيا، والعمل على نقل التجربة التركية إلى مصر، وعلى الأخص تلك البورصات السلعية المتخصصة Specialized Commodity Exchange  في مجال تداول الحاصلات الزراعية أو ما يسمى بـ Soft Commodities.

وقد تم تناول التجربة التركية لأسباب كثيرة منها التشابه بين خصائص الاقتصاد التركي وبين الاقتصاد المصري، حيث تقترب تركيا من ناحية عدد السكان و المساحة من مصر، علاوة علي قرب الموقع الجغرافي، ويتضح أهمية التقارب الثقافي والجغرافي، إذا نظرنا إلى بعد المسافات عن دولة كالهند أو ماليزيا أو الصين، وكذلك شمول أنظمة البورصة السلعية التركية لمختلف المدن والقرى هناك, وكذلك لوجود علاقات اقتصادية ضخمة ومميزة بين البلدين، واتفاقية تجارة حرة مع تركيا .. والعديد من الاسباب الأخرى .

   وتعرضت الدراسة للشرح المفصل عن الفوائد التي يمكن جنيها من وراء إنشاء بورصة سلعية للسلع الزراعية في مصر, ومن أهمها كونها وسيط يمكن الوثوق به بين البائع والمشتري وقدرتها على إيصال المعرفة من خلال شاشات عرض الأسعار بالأسواق وخارجها ومواقع التجارة بالأسواق على الإنترنت (علي سبيل المثال في الهند توجد أكثر من 2000 شاشة عرض بعموم البلاد بالمتاجر الكبرى والشوارع تنشر حركة التداول الفورية للبورصة السلعية الهندية والبورصات العالمية)، هذا الأمر يوسع بالتالي نطاق الوصول إلي معلومات الأسواق علي امتداد مناطق جغرافية شاسعة‏، فعندما يكتشف المنتجون “المزارعون” الأسعار الآجلة من خلال البورصة‏، فيمكنهم الاسترشاد بهذه الأسعار ليقرروا البيع في الحال أو الانتظار لتحقق أسعار أفضل ‏.‏   

   وتمكن الأسعار الآجلة أيضا المزارعين من إتخاذ القرارات المتعلقة بإنتاج المحاصيل علي أساس سعر السوق المتنبأ به لموسم الحصاد المقبل وليس علي أساس السعر الجاري، كما تمكن البورصة السلعية من خفض تكاليف إجراء الصفقات بعدم تحميل السلعة بتكاليف مثل تكلفة المعلومة للبائع او المشتري، وتخفض تكلفة تسليم البضاعة وتسهل قبض الثمن، تأمين الأموال المتداولة ، تمنع الممارسات الاحتكارية بشكل تام، وتسمح لصغار المزارعين والمنتجين بالتعامل بكميات صغيرة والإلتقاء المباشر بالمستهلكين النهائيين، علاوة علي ما تقوم به البورصة السلعية من توفير شبكة مستودعات وتخزين وأنظمة لوجستية متطورة .

    تعرضت الدراسة بالتفصيل لآليات “مراحل ” التداول بالبورصة السلعية التركية، من خلال شرح مفصل لكيفية العمل في بورصة مدينة ساكاريا للخضر والفاكهة، وبورصة مدينة بولاتلي للحبوب بمحافظة أنقرة العاصمة، ودراسة آلية نظام الاستيداع بها.

   إن الفلسفة التي تقوم عليها فكرة البورصة السلعية، هي فلسفة سهلة للغاية ومنطقية، وهي كلما اقترب المتعاملون وجهها لوجه، كلما ضاقت فرص التلاعب .

   وقد قام الباحث بترجمة القانون التركي المنظم لعمل البورصات من خلال الموقع الرسمي لاتحاد عام الغرف والبورصات السلعية التركية، وأورد من خلاله الاشتراطات والقواعد والمسئوليات وكيفية عقد الصفقات وقواعد التحكيم وأنظمة الانتخابات للجنة العمومية ومجلس الإدارة وأنظمة المختبرات والمعامل حسب ما ورد في القانون.

     كذلك تعرضت الدراسة لعقد مقارنة بين بنود القانون التركي للبورصات السلعية وبين قانون إنشاء بورصة الأقطان بمينا البصل في مصر، من أجل التعرف على الاختلافات، وذلك بشكل تفصيلي بالدراسة .

    وعلى الرغم من السبق الذي تتمتع به مصر بكونها أحد أوائل الدول التي دخلت بها أنظمة البورصات السلعية، حيث نشأت بورصة العقود بالإسكندرية، وتلتها بورصة الأقطان أواخر القرن التاسع عشر، إلا أنها توقفت وتم إلغاء قانونها المنظم .

وقد تمت المقارنة بين قانون إنشاء( بورصة مينا البصل للأقطان) والقانون التركي المنظم للبورصات السلعية.

وقد توصلت هذه الدراسة لنتائج نستعرض بعضها بعجالة :

  1.  عدم نجاح منظومة أسواق الجملة في مصر نتيجة انتشار العشوائية في تداول السلع بها.
  2.  قصور القانون المنظم لأسواق الجملة في الكثير من الجوانب على رأسها قصره للتداولات على أصحاب المحلات أو المؤجرين داخل السوق .
  3. أن البورصة السلعية كيان عام يتبع اتحاد عام الغرف بتركيا ويتبع لوزارة التجارة هناك ويحتل موثوقية كبيرة بكونه جهة محايدة .
  4. 4-  لم يتم استغلال المزايا النسبية التي تتمتع بها مصر ، كباقي الدول مثل أثيوبيا “بورصة البن”، والهند “بورصة السلع المتعددة”، وماليزيا ” المشهورة ببورصة زيت النخيل كبورصة متخصصة”.
  5. 5-  أن تكون الأسواق مصدر للبيانات والمعلومات الإقتصادية، وهذا من أحد أهم واجبات البورصات السلعية بنظامها العالمي المتبع علاوة على إرتباطها الوثيق مع بورصات العالم الأخرى وهذا لا يتوافر في مصر.
  6. من ضمن اختصاصات البورصات السلعية ضرورة رفع قدرات المنتجين على تجويد منتجاتهم وكذلك العمل علي تنمية الصادرات .
  7. مشكلات أسواق الجملة
  8. أوصت الدراسة بضرورة تعديل التشريعات المنظمة لسوق الجملة ،بما يكفل تحقيق مقابلة مباشرة بين المزارعين والمشترين، مع السماح بالتعامل داخل السوق بدون اشتراط تملك أو استئجار أماكن داخله, بنظام المزاد .
  9. العمل على إحداث تطوير جذري لنظام السماسرة بحيث يكون السمسار مستقلا بالكامل وليس هو نفسه تاجر الجملة , ولا يتقاضى سوى همولة علي الصفقة , ويمنع منعا باتا من ممارسة التجارة داخل البورصة السلعية .
  10. إنشاء أنظمة للمعايرة ومطابقة المواصفات بما يتفق مع قانون سلامة الغذاء، وكذلك أنظمة بيانات متطورة.
  11. العمل على تعظيم الإستفادة من السلع ذات المزايا النسبية من خلال البورصات السلعية المتخصصة.
  • بورصة سلعية وفقا للمعايير العالمية

كما أوصت الدراسة بالتالي:

  1.    ضرورة الإسراع نحو إنشاء بورصة سلعية مصرية وفقا للمعايير العالمية، من خلال إرسال بعثات إلى دول العالم المتميزة في هذا المجال.
  2. التعاون البناء المستمر مع اتحاد عام الغرف والبورصات السلعية التركي, مع عقد اتفاقيات التعاون المشتركة .
  3. دمج مركز الزراعات التعاقدية كأحد أهم الكيانات الجديدة , داخل كيان البورصة السلعية .
  4. التنفيذ الصارم بالمنع النهائي للتداول كتجارة جملة للخضر والفاكهة والحبوب إلا من خلال البورصة السلعية بمجرد تشغيلها.
  5. تعظيم الإستفادة من الحلول التكنولوجية المتاحة.
  6. 6)     أن تركز البورصة السلعية(على الأقل في جانب منها) على مطابقة بعض السلع لأعلى درجات الجودة.
  7. الاستفادة من التجربة السابقة لبورصة الأقطان بمينا البصل وتحليل الدولة لأسباب عدم نجاحها.

وتم بحث عدد من المشكلات التي واجهتها عدد من السلع في فترات زمنية مختلفة ومنها سلعة البنجر والدواجن والماشية ومقترح بإقامة بورصة متخصصة لكل منها وتحليل أسباب فشل بورصة بنها للدواجن .

  وفي الختام أشارت الدراسة إلى الأهمية البالغة التي تحتلها البورصات السلعية في العالم، وجدارتها التي جعلتها تهيمن على أسواق التبادل التجاري وتنتشر في أرجاء اقتصاديات الدول المتقدمة، وتقود ضبط المنظومة التجارية والصناعية في البلاد التي اعتمدتها كنظام عمل، علاوة على مصداقية الوثائق والشهادات التي تصدرها، وأثرها في مراعاة البعد الصحي، وفوائدها في تنمية صادرات الدول .

   ويحتاج نظام البورصات السلعية لسبر أغواره بحق والتعرف على كنوزه بأن يتسلح الباحث الواعي المتخصص بالمعرفة، وتأتي هذه الخبرة المعرفية من خلال إرسال البعثات الخارجية للمعايشة داخل تلك الكيانات في بلدانها، مما يوجب على الدولة المصرية أن تسخر الإمكانات العلمية والبحثية والقدرات المالية ووضع البنية التشريعية الملائمة للدخول السريع إلى هذا المجال الواعد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights