اقتصاد

إهدار المياه .. تدمير للحياة

  • 31,5 % حجم إهدار مياه الشرب.. وخطط تستهدف تقليل الفاقد إلى 20٪

  • خبراء: الحفاظ على إكسير الحياة.. مسئولية الدولة والمجتمع والأفراد

  • حلول مبتكرة لترشيد استهلاك المياه في مصر

  • الفيكس” عدو مخزون المياه وعديم الفائدة الاقتصادية ويجب استبداله بالأشجار المثمرة

رضا رفعت

الماء العذب روح الطبيعة، وإكسير الحياة للكائنات، والسد المنيع لتجنب التلوث والأمراض والأوبئة، بينما تسبب المياه الملوثة أمراضًا بالجملة؛ مثل أمراض الكُلى والفيروسات الكبدية. ولكن للأسف الشديد ثقافة الترشيد والاستفادة القصوى من كل نقطة من المياه، والحفاظ عليها، تكاد تكون غائبة لدى أفراد المجتمع المصري رغم خطورة الأمر علينا وعلى أبنائنا وأحفادنا، وأنه مطلب وطني وواجب ديني، حثت عليه كل الأديان السماوية.

في السطور التالية نبحث سيل ترشيد الاستهلاك في المنازل والشوارع والصناعة، واستخدامه بشكل اقتصادي، وبدائل حل أزمة نقص المياه.

تشير الدراسات والإحصائيات إلى أن 3% فقط من الماء على سطح الأرض صالحة للشرب، وقد أصبحت كمية المياه العذبة محدودة وتتعرض للتلوث المتزايد؛ نتيجة للممارسات الجائرة والاستخدام غير المرشد. إضافة الى الضغوط التي ستنتج عن التغير المناخي . والفاقد في المياه النقية الصالحة للشرب يصل أحيانًا إلى 40 %.

وحسب منظمة الأمم المتحدة،فإن 1.5 مليون طفل حول العالم يموتون بسبب تلوث المياه سنويًا، و 2.1 مليار شخص لا يحصلون على حقهم في مياه نظيفة، بينما يعاني إنسان واحد من بين 10 أشخاص من قلة المياه. وأشارت منظمة الفاو إلى أن هناك أكثر من 1,6 مليار شخص في العالم يعانون من نقص المياه لأسباب اقتصادية.

وحسب إحصائيات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء نفقد مصر نحو 31.5% من المياه الصالحة والمعالجة فى الاستخدام المنزلى تتحول إلى مياه صرف صحى، وهي تعادل مساحة 750 ألف فدان قابلة للري.

  • كارثة كبرى

وإهدار المياه كارثة تتعدد صورها في ربوع مصر دون رادع او رقيب (مغسلة السيارات- غسيل السيارات بالخراطيم في الشوارع – غسيل السجاد – تنظيف القهاوي والمحلات المطاعم، والأدوات المستخدمة فيها – حمامات السباحة وملاعب الجلف والمنتجعات السياحية والبحيرات الصناعية – رش الشوارع وري الحدائق بالخرطوم حنفيات تالفة مفتوحة «عمال على بطال» في المصالح الحكومية والمنازل وعلي البلاجات… ).

علاوة على ارتفاع نسبة الملوثات في مياه نهر النيل وإلقاء مياه الصرف الصحي والزراعي ومخلفات المصانع رغم المعالجة الجزئية لها. بخلاف إهدارها بكثرة في المنازل (غسيل أطباق – تنظيف أرضيات – تسربات في خلاطات ومواسير المياه وتلفها- استخدام البانيو بديلا للدوش – الاسراف في مياه الوضوء والاستحمام…). وكل دول العالم وكثير من الدول العربية أصبحت تلجأ إلى استخدام الحنفيات التي تعمل بالدوائر الكهرومغناطيسية الحساسة باليد.

  • أرقام مفزعة

وتشير الإحصاءات إلى أن نسب استهلاك المياه في المنزل بواقع: 26.5% في المرحاض، و22% في غسيل الملابس، و16.5 في الحنفيات، و16% في الاستحمام، و2% في الأغراض المتنوعة، و1.5% في غسيل الأطباق، و15.5% تهدر بفعل التسريبات، وتسريب مياه من الحنفية عن طريق التنقيط يهدر لترا كل ساعة ، ويهدر تسرب المياه من “السيفون” المتعطل 1440 لترا في اليوم الواحد، ورش المياه باستخدام خرطوم قطر نصف بوصة 40 لترا كل دقيقة.

وأوضحت أن فتح الحنفية أثناء غسل الأسنان يستهلك 12 لترا خلال دقيقتين، وحلاقة الدقن يستهلك 30 لترا خلال 5 دقائق، وأن فتح الدش للاستحمام لمدة 20 دقيقة يستهلك 240 لترا من المياه، بينما الاستحمام في 5 دقائق يوفر 180 لترا في كل مرة. واستخدام كوب من المياه بدلا من فتح الحنفية يوفر ألف لتر يوميًا.

  • أعلى من العالمي

وقال جمعة طوغان، المهندس الزراعى بالإدارة العامة للموارد المائية والرى بالجيزة: متوسط استهلاك الفرد لمياه الشرب 300 لتر في اليوم بينما المستوي العالمي 200 لتر فقط في المدن و 100 لتر في القري بما يترتب علية تعديل كود شبكات توصيل المياه؛ حيث يختلف قطر فتحة التوصل من منطقة إلي اخري، وخصوصا سكان المدن الجديدة والمنتجعات والتي  تمثل المستهلك الاكبر للمياه حيث المسطحات الخضراء وملاعب الجلف وحمامات السباحة. ولابد من اتخاذ اجراءات حاسمة خاصة مع الصناعات التي تستهلك كميات مياه كبيرة مثل الاسمنت، ولابد من استخدام التقنيات الحديثة في عمليات التصنيع خاصة للخلطات الجافة التي تستهلك المياه مع اعادة تدوير المياه المستخدمة داخل المصانع بغرض التصنيع او تبريد الماكينات.

وأضاف “طوغان”: أهم أشكال سوء استخدام المياه هي توصيل المياه الي معظم القري دون وصول الصرف الصحي سبب مشاكل كبيرة مثل مشاكل الصرف وتلوث المياة الجوفية – معدل الاستهلاك العالي للمنتجعات السياحية من العاب مائية وملاعب جولف وغيرها

  • المعالجة والتبخير

وقال د. نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية : الفقد في القطاع الصناعي حوالي 450 ألف متر مكعب وتتمثل صور إهداره فى المعالجة والتبخير؛ إلا أنه يمكن تركيب وحدات صغيرة ثمنها حوالي مليون جنيه فى المصانع لإعادة تدوير هذه المياه والاستفادة منها، وبذلك توفر ضخ كميات مماثلة للمصانع، بالإضافة إلى حماية النهر والترع والمصارف من مياه شديدة الخطورة وقاتلة للأحياء المائية ومدمرة لصحة الإنسان.

وتستهلك مياه الشرب نحو 10.75 مليار متر مكعب سنويا، والفاقد نحو 3.3 مليار متر مكعب سنويا تصبح مياه مجاري تلوث النيل والترب الزراعية، وتكلف الدولة نحو 3 جنيهات للمتر المكعب للتخلص منها أو 5 جنيهات لمعالجتها، أى نحو 20 مليار جنيه سنويا.

  • كارثة “الفيكس”

بينما قال الدكتور حاتم أبوعالية، خبير التنمية الريفية: انتشرت أشجار الفيكس بشكل مفزع في الشوارع والحدائق والطرقات والمقابر وجسور الترع والمصارف؛ حتي تجاوز عددها 60 مليون شجرة تقريبًا بمحافظات مصر.. ولكنها شرهة جدا للمياه وتتسبب في تقليل منسوب المياه الجوفية، وجذورها قوية تمتد وتتوغل وتضر التربة الزراعية، وتؤثر علي الطرق وأساسات المباني والصرف الصحي.. وليس لها أي جدوى اقتصادية أو بيئية، بل تنقل الكثير من الأمراض والحشرات للإنسان والنبات.

 وأضاف “أبوعالية”: يجب التوسع في الأشجار المثمرة المفيدة للدولة والمواطنين بدلا منها؛ مثل التوت والزيتون والجوافة والبرتقال والليمون والنخيل والجميز والتين. وأيضا إدخال أصناف أخرى مثل أشجار النيم أو الباولونيا لأنها تقاوم العطش والبرد ولها مميزات بيئية وجمالية جيدة.

وقال الدكتور رضا عبدالسلام، محافظ الشرقية الأسبق : يمكن أن نوفر حوالي ٣ مليار متر مياه تستخدم في غسيل السيارات (في الغالب من محطات تحلية المياه التي تكلف الدولة مليارات) بالعقوبات الرادعة والباترة والفورية. وعلينا الشروع فورا في تطبيق تقنيات جديدة لترشد الاستهلاك المنزلي، ويمكن الاستفادة من التجربة اليابانية في هذا الخصوص. وعمل نظام محاسبة خاص لحمامات السباحة والحدائق بحيث تعتمد على مياه صرف معالجة وبأسعار التكلفة.

  • حوافز اقتصادية

في حين قالت الدكتورة لمياء لطفي، أستاذ الاقتصاد المنزلي بجامعة كفرالشيخ: لابد من تفعيل دور وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والجمعيات الأهلية لرفع وعي المواطنين حول كيفية استهلاك المياه، والحفاظ عليها وعدم تلويثها، ومزايا منظم ترشيد استهلاكها والتعريف بكيفية استخدامه، وتربيتهم أبنائهم على تقدير أهميتها، والحفاظ على الاستثمارات التي تضخها الدولة في قطاع مياه الشرب بشكل مستمر. وإصدار قوانين تشجيعهم على الترشيد في استهلاكها، وتقديم حوافز اقتصادية، مثل خصوماتٍ لمن يشتري غسالة ذات كفاءة مائية عالية، واستخدام قوانين التسعير المتدرّج للاستهلاك. وادراج ترشيد المياه ضمن المناهج الدراسية.

  • السهل الممتنع

وأضافت “لطفي”: هناك طرق عديدة يمكن اتباعها لترشيد استهلاك المياه في المنزل؛ ومنها ما يأتي :

  • غلق المياه أثناء تنظيف الأسنان أو حلاقة الذقن، أوضع الصابون والشامبو وقت الاستحمام، ويمكن ملء كوب من الماء واستعماله للحلاقة.
  • فحص الحنفيات بشكل دوري، وإصلاح التسريب، وكذلك المراحيض وتنظيفها عند الحاجة فقط، ووضع عبوة بلاستيكية بها رمل وماء في خزانها، لتوفير الكثير من الماء.
  • مسح الأوساخ عن الأطباق بدلاً من شطفها قبل وضعها في غسالة الصحون، وتشغيلها عنما تمتلئ بالكامل فقط، واستخدام الدورة الاقتصادية إن وجدت. المعدل العالمي لاستهلاك الفرد خلال غسل الأطباق أو الاغتسال من 5 إلى 10 لترا في الدقيقة.
  • اعادة استهلاك ماء غسل الأطعمة والأطباق أو الاستحمام أو الحلاقة، لتنظيف المرحاض أو ري الحديقة، وغسل الفواكه والخضراوات في حوض من الماء، بدلاً من فتح الصنبور بالماء الجاري.
  • غسل أكبر كمية ممكنة من الملابس في الدورة الواحدة، واستخدام الدورة الاقتصادية إن وجدت.
  • جمع الماء الذي يخرج من الحنفية أثناء انتظار وصول الماء الساخن، والاستفادة منه في شيء آخر.
  • استعمال جردل عند تنظيف السيارات أو الدراجات؛ وليس الخرطوم، وغسلها على العشب ليستفيد من المياه بنفس الوقت. وتغطية حمام السباحة للحفاظ على مياهه من التبخر.
  • تثبيت منظم التدفق على حنفيات الحمام والمطبخ، والتقليل من مدّة الاستحمام، واستخدام رأس دش عالي الكفاءة في توفير المياه.
  • تذويب الطعام المتجمد بوضعه في الثلاجة، وليس تحت الماء الساخن.
  • زراعة الحديقة بنباتات قليلة الاحتياج للمياه وريها بالتنقيط. أو ريها صباحاً أو في المساء، لتقليل تبخر المياه.
  • العدادات الذكية

وقال الدكتور أحمد فوزي خبير المياه بالأمم المتحدة: لابد من إعادة هيكلة مرفق مياه الشرب والصرف الصحي لأن أكثر من 40% من مياه الشرب تضيع في الشبكات أما تهالكها أو حدوث شروخ فيها، و10% أخرى نتيجة التعديات على شبكات مياه الشرب، مع ضرورة تغير عدادات المياه واستخدام العدادات الذكية للتحكم الإلكتروني ورصد التكاليف.

ولابد من فصل استخدام المياه التي يتم استخدامها في الحمامات عن مياه الشرب، وأيضا معالجة المياه التي يتم استخدامها في الصناعة للتخلص من المواد السامة قبل أن تلقي في المجاري المائية.

ومن جانبه طالب النائب خالد مشهور، عضو اللجنة التشريعية، بفصل مصادر المياه واستخدم المياه غير المعالجة فى رى الحدائق وغسيل السيارات ودورات المياه، وتوفير ضبطية قضائية لمرفق المياه والصرف الصحي للحد من التعدي على أنابيب المياه، وتوصيل المياه إلى الأماكن غير مرخصة والعشوائية، والتوسع في استخدام العدادات الذكية، وتعزيز الابتكارات لترشيد المياه  مثل الحنفيات الذكية.

  • خطط مكثفة

وفي ذات السياق، تتبع الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي خطط تستهدف تقليل الفاقد من المياه إلى 20٪ بكمية مياه حوالي 2.89 مليون متر/ اليوم وبالفعل تم عزل 105 مناطق فى 16 محافظة وتوفير حوالى 12 ألف متر.

وقال المهندس ممدوح رسلان رئيس الشركة، أنه جاري تكثيف انشطة وحملات التوعية بكميات المياه المهدرة نتيجة التعامل الخاطئ وعدم الاستخدام الأمثل لها، واستهداف مختلف فئات الجماهير، بالتعاون مع الوزارات والهيئات المعنية والجمعيات لترشيد الاستهلاك وتغيير السلوك. واطلقت تطبيق المحمول 125 لنشر رسائل توعية وتكثيف التواصل مع الجمهور.

ويتم تنفيذ غرامات لرش المياه، والتوسع فى استخدام الابتكارات، وأحدها قطع موفرة تخفض الاستهلاك بنسبة 50-75% من المياه المستهلكة، ما يساهم فى توفير 45% من الاستهلاك اليومي للأسرة الواحدة.

وجاري تركيب أكثر من 6 ملايين عداد بكارت مسبق الدفع بالمنازل، حيث تساعد على قوة ضخ المياه بدون إسراف.

وأكد أن الدولة تتوسع حاليًا فى تحلية مياه البحر بالمحافظات الساحلية، لأن نقل مياه النيل إليها يستلزم مد شبكات لمئات الكيلومترات فضلًا عن التعديات على خطوط نقلها، مما يؤدى إلى إهدار كميات هائلة منها. وأن الدولة تنتج حاليا 800 ألف متر مكعب/ يوم من المياه المحلاة، وتستهدف إنتاج 2.7 مليون متر مكعب عام 2037.

  • مليارات الأمتار

وقد ابتكر المخترع صلاح حسنين إبراهيم، نظام لتوفير المياه عن طريق إضافة صندوق لتخزينها خلف قاعدة الحمام – خارجه-، وله مواصفات خاصة، حيث يعبأ من مياه صرف حوض الوش والدش والبانيو وطرد الغسالة، ويتم ذلك من الدور الأعلي إلي الدور الذي أسفله، ويتصل بصندوق الطرد للسيفون الداخلي في الحمام. والصندوق الخارجي يستوعب 30 ألي 70 لتر ماء وله صمامات للغلق والفتح، كذلك له ماسورة للفايس بعد امتلائه تذهب المياه للخزان أو الصندوق الذي أسفله، وتتكرر العملية من الدور العلوي حتي الدور السفلي، وتنتهي لأسفل بالصرف الخارجي للمبني .

وقال المخترع: يتم استغلال هذا الابتكار لطرد الغائض في جميع المباني المنازل والأبراج السكنية والهيئات والمصالح الحكومية ودواوين الوزارات والفنادق والقري السياحية والمدارس والجامعات. وبذلك نوفر مليارات الأمتار من المياه الصالحة للشرب والمعالجة سنويًا بمصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights