نشأة الإحتفال بليلة النصف من شعبان
كتب : أحمد عثمان عوض
يحتفل المسلمون في يوم الرابع عشر من شهر شعبان بليلة النصف من شعبان وهي من الليالي التي اختصها الله – تبارك وتعالي – بالفضائل والتكريم حيث اختارها الله لتحويل قبلة المسلمين نحو المسجد الحرام إلي آخر الزمان.. والقبلة هي صدر المسجد الحرام، وهي جداره المتجه نحو مكة، فإذا صلي الناس تجاهها كانت وجوههم ناظرة إلي بيت الله في ذلك البلد الحرام، وكانت قبلة مسجد الرسول الأولى ناحية “بيت المقدس” لمدة ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، ثم حولها الله – سبحانه وتعالي – تجاه الكعبة فتحولت في مسجد الرسول من الشمال إلي الجنوب.
مركز الكون
ـ تبرز أهمية مكة التي بها قبلة الكعبة في أنها تتوسط اليابسـة، وأن ما يحيط بمكة هو العالم بأكمله، كما أن لمكة مكانة في غاية الأهمية ليس فقط بالنسبة للأرض بل للكون كله، فالقرآن الكريم يقول: “يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان”.. ولقد توصل العلماء إلى أن قطر أي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفيه مساراً بمركزه ولو جمعنا أقطار السموات والأرض لتبين أن الأرض هي مركز الكون فلا يمكن أن تلتقي أقطار الأرض مع أقطار السموات إلا إذا كانت الأرض هي مركز الكون.. فإذا كانت الكعبة المشرفة في وسط الأرض وتحت البيت المعمور والأرض والسموات لها أقطار واحدة، فمعنى ذلك أن الكعبة هي مركز الكون، وهذا المركز له عند الله من الكرامات والبركات ما أمرنا به أن يتعرض كل مؤمن ومؤمنة لكرامات وبركات هذا المكان ولو لمرة واحدة في العمر ليؤدي الفريضة .
قبلة ترضاها
وعن تحويل القبلة يقول الله تعالى: “قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ”.
وتوضح هذه الآية كيف كان حال الرسول “صلي الله عليه وسلم” فقد كان يصلي إلى الكعبة قبل أن يهاجر إلى المدينة فلما هاجر إليها أمره الله تعالى بالتوجه في صلاته إلى بيت المقدس تأليفاً للقلوب وظل يصلي إلى بيت المقدس نحو ستة عشر أو سبعة عشر شهراً كما روى البخاري عن البراء بن عازب وأحب الرسول “صلى الله عليه وسلم أن يتوجه إلى الكعبة (قبلة إبراهيم عليه السلام وقبلة أمته إلى يوم القيامة)، فجعل يدعو الله تعالى أن يوجهه إلى الكعبة، إلى أن استجاب الله له.
والأمر بالتوجه إلي الكعبة في الصلاة لا ينفي أن بيت المقدس من المساجد المقدسة في الإسلام والتي تشد الرحال إليها ولأنه مسرى الرسول “صلى الله عليه وسلم” – ومنه عروجه إلي السماوات العلا وفضل ليلة النصف من شعبان قد ثبت في السنة الصحيحة المشرفة.
أول احتفال رسمي
أول احتفال رسمي بليلة النصف من شعبان يعود إلى العصر الفاطمي، وكان الاستعداد يبدأ في دار الفطرة؛ حيث تعد كميات كبيرة من الحلوى يستخدم في إعدادها كميات كبيرة من السكر؛ وذلك لتوزيعها على رجال الدولة القائمين على الجوامع والمشاهد الشريفة، أما الاحتفال الرسمي ـ وفقا للمؤرخ إبراهيم عناني عضو اتحاد المؤرخين العرب ـ فيبدأ بعد صلاة الظهر بخروج قاضي القضاة في موكب كبير إلي مكان جلوس الخليفة، وتكون قد سُدت ورُشت بالرمل في الوقت الذي يكون قد اصطف فيه جنود الوالي على جانبي الطريق.. وعاد الاهتمام بهذه المناسبة في عصر المماليك، وذلك بالاحتفال بها في حوش القلعة الكبيرة، وإقامة الزينات والولائم وتوزيع الصدقات علي الفقراء، حيث تسير المواكب وتنشد الأناشيد وكانت تضرب خيمة عظيمة في حوش القلعة، ويبدأ الاحتفال بقراءة القرآن ثم يأتي الوعاظ والمنشدون، فإذا ما انتهي كل منهم دفع إليه السلطان بصرة فيها دراهم من الفضة، وحينما تنقضي صلاة المغرب تمد الأسمطة فيأكل الجميع ويوزع منها علي الفقراء وبعد ذلك يمضي الجميع بقية الليل في سماع المنشدين.. هذا بالنسبة للسلاطين.
أما عامة الشعب فكانوا يحتفلون بهذه المناسبة بأن يأتي كل بيت بمشاهير القراء لتلاوة القرآن الكريم ثم ينشد المنشدون بصحبة الآلات القصائد في مدح الرسول “صلي الله عليه وسلم”، أما النساء فكنَّ يشاهدن الاحتفال خارج المنازل من فوق الأسطح، أو يحتفلن به داخل المنازل بإحضار الواعظات لسماع الوع
من العادات التي كان يستقبل بها المسلمون ذكرى ليلة النصف من شعبان قديما أن يجتمع الناس في المساجد رجالاً ونساء وتعلق في أرجاء المدن المصرية المشاعل والفوانيس والشموع كما يفرشون البسط والسجادات داخل المساجد وعليها الأواني والأباريق التي امتلأت بالمشروبات التي اعتاد الناس عليها في هذا الموسم ويستمعون إلي مشاهير القراء وهم يرتلون آيات القرآن الكريم.
كما يشارك في هذه المناسبة “المداحون” الذين يمدحون الرسول “صلى الله عليه وسلم” مع ذكر قصة تحويل القبلة مع الإيقاع. أما الدراويش فكان أهم ما يميزهم أنهم ينشدون الأوراد، راجين دفع البلاء، ومن فلسفتهم أنهم يبغون (الفناء في الغناء) أي يفنى المتصوف فيما ينشد حتى يختل توازنه ويسقط على الأرض، وفي هذه الحالة يطلق على هذا الشخص أنه قد فنى في النغمات التي أوصلته إلى تقبل النفحات السماوية بالتطهر وأوصلته إلى تلك الدرجة السامية من العطاء النوراني.
ومن العادات التي سادت في العصور الإسلامية إقامة الأسمطة والحفلات وكان في العصر الفاطمي وظيفة مهمة وهي “داعي الدعاة” يشرف على الاحتفالات بحيث يتم الاحتفال بذكري النصف من شعبان، وتحويل القبلة في جميع المدن المصرية.. أما في عصر المماليك فكانت هناك وظيفة (الساقي)، ويشرف على الحفلات التي تقام بمناسبة الموالد وأيضاً ذكرى الاحتفال بليلة النصف.. كما أن بعض الأثرياء كانوا يقيمون في بيوتهم حفلات دينية؛ حيث يتلو القراء القرآن الكريم، وأيضاً تقدم الصدقات وتنحر الذبائح بهذه المناسبة.
واستمر ذلك إلى العصر العثماني والعصور الحديثة؛ حيث تقام الأسواق والشوادر التي تعرض ما يسمى (بحلوى الموسم) .