القصر الجميل
المدينة التي ظلمها القائمون عليها
بقلم :جمال حامد
لم أصدق نفسي ، وأنا أتجول في شوارعها باحثاً عن معنى الجمال في تاريخها القديم الذي يمتد لأكثر من مائتي عام وأنا أتسأل في صمت مرير أهنا وعلى تلك الأرض وفي هذه الأماكن كان التاريخ يرسم خطى الأجداد ؟
ربما يكون قد غطى على ملامح تفكيري سنوات الغربة خارج حدود الوطن سؤال عارض انتابني لحظة ثم ما لبث أن واره النسيان لكن لا فالتاريخ أمامي يضع ألف علامة استفهام للغز محير أهذه حقاً أقدم المدن التاريخية؟
أهذه الأرض التي شهدت جزءً من تاريخ نبي الله يوسف على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام ؟ هل هي الأرض التي ذكرت في التوراة باسم جاشان ؟
أهذه هي المدينة التي أطلق عليها العديد من الأسماء منها بيس أو بيسه اسم جميل لإحدى الملكات في العصر الروماني وقد أضيف لها بل لتصبح القصر الجميل ؟
أسئلة كثيرة تدور في خلدي وأنا أتجول في شوارعها وحارتها متذكراً ما أضافه كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي حينما أوضح ان السيدة هاجر زوجة نبي إبراهيم عليه السلام وأم نبي الله إسماعيل عليه السلام ولدت وعاشت في هذه المدينة وبالتحديد في منطقة غيته أو غيقه ( كما كانت تسمى ) على حسب ما أفادني في هذه المعلومة الدكتور عبد الحكم أبو حطب أستاذ الإعلام التربوي والداعية الإسلامي ويفيد كتاب مسالك المملك لابن حوقل أيضاً أن الهكسوس الذين حكموا المدينة لمدة 145 عاما قد منحوا السيدة هاجر هديه للسيدة سارة والتي كانت أميرة فرعونية لخدمتها فتزوجها نبي الله إبراهيم عليه السلام لتنجب منه سيدنا إسماعيل عليه السلام .
وعلى هذه الأرض المعروفة في التوراة باسم جاشان أقام فيها نبي الله يعقوب عند لقائه بابنه يوسف عليه السلام
وفي سفر التكوين ( يقول ابنك يوسف : قد جعلني الله سيدا لكل مصر انزل إلي لاتقف فتسكن في أرض جاشان ( جوش) وتكون قريبا مني أنا وأنت وبنوك) .
وتقول الآية القرآنية الكريمة
( واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا بها وإنا لصادقون ) سورة يوسف الآية 83
تاريخ قديم لمدينة عريقة شهدت الكثير والكثير من أحداث التاريخ القديم والذي ما زالت ملامحه شاخصة رأي العين لكل باحث كانت هذه المدينة كما يرى الرحالة الأب فانسليب الألماني أن العائلة المقدسة مرت على أرضها واستظلت بشجرها
كما أقامت (ارمانوسة) ابنة المقوقس في منطقة القيسارية بعضاً من الوقت وهي في طريقها لتزف الى قسطنطين بن هرقل لكن قوات عمرو بن العاص خلال الفتح الاسلامي حاصرت المدينة وأقام فيها عمرو بن العاص ورفاقه فقام بروح المسلم وشهامته برد أرمانوسه إلى أبيها .
وقد تم بناء مسجد السادات والذي يعد أول مسجد تم بناؤه في مصر وإفريقيا .
إنها بلبيس القصر الجميل المدينة العريقة التي تمتد جذورها لآلاف السنين فضاعت معالمها بجهل أو سوء مقصد فهي المدينة العريقة التي عاشت على أرضها وقتا من الزمن السيدة زينب حفيدة رسول الله صل الله عليه وسلم وبنت الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وبرفقتها السيدة فاطمة والسيدة سكينة ابنتا الحسين ابن على علي رضي الله عنه هربا من بطش يزيد بن معاوية قبل ذهابهن رضي الله عنهن الى الفسطاط .
ماذا فعلت الحضارة بمدينة التاريخ؟
أهانت حضارتنا مدينة التاريخ أو القصر الجميل بعشوائية التنظيم في بيئتها المعمارية والتي انطبعت على سلوك سكانها فشوه القبح شوارعها الضيقة الشاهقة وبيوتها المرتفعة ومزاريبها المتفجرة في معظم شوارعها وأكوام القمامة المترامية في كل مكان متكدسة بصورة بغيضة لاتليق بتاريخ المدينة وماضيها العريق ومن الغريب ان أي مساحة لارض فارغة تجدها قد أصبحت مكبا للقمامة ومرتعاً للحشرات والكلاب الضالة ( وأتذكر ذات مرة كنت في احدى سفرياتي أقود سيارتي على احدى الطرق السريعة وفي يدي عبوة مياه غازية فارغة القيقيتها بعشوائية على قارعة الطريق فجأة وجدت ورائي شابا يستوقفني فوقفت فذهب واحضر العبوة الفارغة من على الأرض وقال لي بأسلوب مهذب جدا من فضلك ضعها في صندوق قمامة يقابلك وقد إعطاني درسا لا أنساه طوال حياتي بأدبه وأخلاقه ).
تذكرت ذلك بألم عندما يأتي لص حقير على غطاء بلاعات الصرف الصحي ويسرق غطاءها فتسبب الكثير من الحوادث لأطفالنا .
سألت نفسي سؤالا ؟
بأي توجه كان يفكر القائمون عن مجلس المدينة العريقة في تشويه معالم المدينة باستغلال المساحات البيضاء في ارض المدينة وتحويلها إلى أسواق عشوائية ؟ أدت الى تكدس المواطنين وتشويه جمال المدينة في منطقة السوق الحالية والتي كانت في يوم الأيام شارعا جميلا متسعا يشعر فيه الإنسان بالراحة تحولت الى سوق عشوائية لكل الأنواع والأغرب والأنكي ان البائعين يقومون بوضع مخالفاتهم يومياً أمام أسوار مدارس متكيس والثانوية ومدرسة عمرو فكيف لمعلمينا أن يعلموا أطفالنا وطلابنا معنى كلمة النظافة وكيف يتسنى لهم ترسيخ مفهوم ( النظافة من الإيمان) في وجدان أطفالنا ؟
سؤال أخر؟
هل فكرة وزارة الآثار ممثلة في هيئة أثار الشرقية بالاهتمام بآثار المدينة وتاريخها القديم بأن تجعل من هذا التاريخ أملا جديد من خلال الاهتمام به ؟
أكاد أجزم بأن الكثيرين لايعرفون عن تاريخ هذه المدينة شيئا والتي تعد مهداً حضارياً كبيراً
وإني من خلال هذه النافذة الإعلامية أدعو رئيس مجلس المدينة والسيد محافظ الشرقية وهيئة الآثار بالمدينة الى عودة الروح التاريخية لهذه المدينة والتي كانت في يوم من الأيام درة المدن التاريخية وبوابة مصر الشرقية .