أقلام حائرة

مكانة مكة المكرمة كعاصمة مقدسة بين المدن

 

 

 

إعداد:جمال حامد

 

لم نجد مدينة في العالم احتلت المكانة العظمى في نفوس المسلمين في جميع أرجاء المعمورة مثلما احتلت مكة هذه المكانة وكيف لا تكون كذلك ؟ وفيها دعا إبراهيم عليه السلام ربه أن يرزق أهله من الثمرات وأن تهوي القلوب إليهم إنها مدينة يضاعف الأجر فيها وحرم الله دخولها على غير المسلمين مدينة تشرفت بمولد خير البشرية محمد صل الله عليه وسلم وهاجر منها ودخلها فاتحا ًونزل فيها قول الحق سبحانه وتعالى في سورة الإسراء الآية 80( وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيرا)  مدينة جعلها الله حرماً أمنا فحرم فيها الصيد وقطع الشجر والكلأ وحرم فيها القتال وحمل السلاح وغيرها من المحرمات إنها مدينة مكة المكرمة التي وردت نصوص التحريم فيها في القرآن الكريم كما ورد في سورة النمل آية 91( إنما أمرت أن اعبد ربَ هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين ) مكة المكرمة التي منَ الله سبحانه وتعالى على أهلها قال تعالى في سورة القصص آية 57 ( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا أو لم نمكن لهم حرمناً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ) وكيف لا تكون مكة المكرمة كذلك ؟ وقد عظم الله سبحانه وتعالى حرمتها في الجاهلية وصدر الإسلام فتحريم مكة كان قبل بعثة إبراهيم عليه السلام وقد دل على ذلك في كتاب الله دعوة إبراهيم عليه السلام لربه في سورة إبراهيم آية 37( ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ) وقد ترك ابنه إسماعيل وأمه هاجر وتركهما فهو يعلم أن مكة المكرمة مكاناً محرماً وحينما أعاد إبراهيم عليه السلام بناء الكعبة توجه إلى الله بالدعاء ان يجعل مكة بلداً أمنا قال تعالى في سورة البقرة آية 125( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) هذه المدينة المقدسة التي دعا إبراهيم عليه السلام ربه ان يحفها بالأمن ويجنبه وبنيه عبادة الأصنام كما ورد في سورة إبراهيم آية 35( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلداً أمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) ولقد استوعب أحفاد إبراهيم من ولد إسماعيل عليه السلام الدرس وكذلك أخوالهم من بني جرهم حتى بعد أن بسط الخزاعيون أمرهم على مكة المكرمة بقيت حرمتها في النفوس لا يباح فيها قتال ولا يسفك فيها دم ولا تنتهك فيها حرمة ولكن بعد سيطرة عمر بن لحي الخزاعي على مكة بدل معتقدها كما ورد في حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن أبي الجون ( رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار لأنه أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وسيب السائبة وبحر البحيرة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ) ثم ابتدع أهل مكة بعده الكثير من البدع وعلى الرغم من ذلك كله فقد بقيت مكانة مكة في القلوب والنفوس ، ولقد عظمت مكانة مكة أكثر وأكثر بعد حادثة الفيل خاصة بعد أن علم الناس أهداف هذه الحملة الشرسة وكيف انتصر الله لبيته فجعل كيد أبرهة في تضليل بل جعلهم الله سبحانه وتعالى كعصف مأكول .

 

وعندما جاء جيش المسلمين فاتحاً لمكة المكرمة سمع أبو سفيان مقالة سعد بن عبادة رضي الله عنهما : اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الكعبة ، فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: الم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال: ما قال؟ قال: كذا وكذا فقال: كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة ) رواه البخاري لقد عظمت حرمة مكة المكرمة ومكانتها بين المدن وفي نفوس جميع المسلمين فلقد تنوعت فضائل مكة المكرمة عن غيرها من المدن فهي البلدة التي بدأ نزول القرآن الكريم فيها وهي أحب البلاد إلى الله ورسوله صل الله عليه وسلم بقوله( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ) فلقد تنوعت فضائل مكة وتعددت أسماؤها فكان لها مكانتها وعظمتها وشموخها على مر التاريخ من حيث الموقع والمناخ والسكان بها الكعبة المشرفة والمسجد الحرام والمقام والصفا والمروة وهي وسط الأرض ومركز اليابسة كما أشرنا أنفا بلد يتنعم أهلها بالأمن والأمان والرزق بلد ضارب في أعماق التاريخ البشري ومهوى أفئدة المسلمين بلد أسرى منها رسول الله صل الله عليه وسلم من مسجدها الحرام والذي هو أجل المساجد على الإطلاق إلى المسجد الأقصى بلد أقسم الله بها في القرآن الكريم بلد خصت بأنها قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويعد استقبال الكعبة من أهم عوامل وحدة المسلمين في كل مكان في العالم  .

 

مكانة مكة المكرمة في نفس كل مسلم

لمكة المكرمة مكانة لا تضارعها مكانة في نفس كل مسلم في كل أنحاء الكرة الأرضية فالكل يتشوف إليها شوقاً ويحن إليها ويتمنى الوقوف بأرضها والطواف والسعي والصلاة في مسجدها والوقوف بمشاعرها المقدسة وكيف لا تكون كذلك في النفوس والله قد أقسم بها في كتابه الكريم وقسم الله تشريف وتعظيم لمكانتها قال تعالى

( والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين ) وقد أورد ابن كثير في مجال هذه الآية الكريمة أن الله سبحانه وتعالى أقسم بهذه المحال ثلاثة من أولي العزم من الرسل فالقسم لأول بالتين والزيتون وتعني هنا بيت المقدس وقد بعث الله فيها عيسى بن مريم عليه السلام والثاني طور سنين وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران والثالث مكة المكرمة وهو البلد الأمين الذي أرسل فيه محمد صلى الله عليه وسلم كما أقسم الله سبحانه وتعالى في سورة البلد بهذا القسم ( لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ) وهنا نلاحظ أن اللام النافية قبل القسم تعنى التأكيد أي أقسم بهذا البلد وهذا قسم من الله تبارك وتعالى بمكة المكرمة وهذا يدل على عظمة قدرها وعلو شأوها ومكانتها عند الله سبحانه وتعالى وها نحن أولاء نتأمل حديث عبد الله بن عدي بن حمراء الزهري يقول : رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم واقفاً على الحزورة فقال: (والله إنك لخير أرض الله ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت ) لهذا فإن مكة المكرمة لها مكانتها في نفوس كل المسلمين فتاريخ الإسلام موصول بها لاسيما وأنه الدين الذي وحد امة المسلمين وإن الروح التي أدت إلى هذا كله هو حب المسلمين لدينهم ورسولهم الكريم ورسالته السماوية التي انطلقت من بطحاء مكة لتعم كل أرجاء الكرة الأرضية وها هو أمير الشعراء أحمد شوقي يجسد هذا الحب الكبير لمكة المكرمة في نفس كل مسلم بقصيدته الغراء إلى عرفات الله التي يقول فيها :

إلى عرفات الله يا خير زائر

عليك سلام الله في عرفاتِ

 

ويوم تُولي وجهة البيت ناضراً

وسيم مجالي البشر والقسماتِ

 

على كل أفق بالحجاز ملائك

تزف تحايا الله والبركاتِ

 

إذا حُديت عيس الملوكِ فإنهم

لعيسك في البيداء خير حداةِ

 

لدى الباب جبريل الأمين براحه

رسائل رحمانية النفحاتِ

 

وفي الكعبة الغراء ركن مرحب

بكعبة قصاد وركن عفاةِ

 

وما سكب الميزابُ ماءً وإنما

أفاض عليك الأجر والرحماتِ

 

وزمزم تجري بين عينيك أعيناً

من الكوثر المعسول منفجراتِ

 

ويرمون إبليس الرجيم فيصطلي

وشانيك نيراناً من الجمرات

 

يحييك طه في مضاجع طهره

ويعلم ما عالجت من عقباتِ

 

ويثني عليكِ الراشدون بصالح

ورب ثناء من لسان رفاتِ

 

لك الدين يارب الحجيج جمعتهم

لبيتٍ طهور الساحِ والعرصاتِ

 

أرى الناس أصنافاً ومن كل بقعةٍ

إليكِ انتهوا من غربة وشتاتِ

تساووا فلا الأنساب فيها تفاوت

لديك ولا الأقدار مختلفاتِ

 

عنت لك في الترب المقدس جبهة

يدين لها العاتي من الجبهاتِ

 

والقصيدة تفيض بالحب والشوق لتلك البقعة المقدسة من العالم تلك التي يحن إليها كل مسلم ويتمنى من سويداء قلبه لو وقف على ثراها يوماً واحداً

 

 

ِِAKmal ELnashar

صحفي وكاتب مصري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights